من المناسب جداً التذكير بهذه الحقيقة ، ليس من أجل تعميم معناها وحسب ، بل وكذلك لتسهيل روح الخطاب المتداول بين أطراف البيت العراقي ، يأتي هذا الكلام منا بعد إنقضاء ست سنوات من عمر التغيير ،
ذلك التغيير الذي كان أملاً منشوداً ، وأملاً واعداً ساهم الجميع بل شارك الجميع فيه ، ومن أجل تحقيقه كلاً حسب موقعه وكلاً حب قدرته ، وهنا يجب الإعتراف بان التغيير الذي جرى إصطدم بحواجز الجهل والطائفية والشوفينية ، وأصطدم بنوع من التفكير غريب ، ونزوعات في فكر بعض الساسة لترجيع عقارب الساعة إلى الوراء ، هذا ما حدث بالفعل وحدث مثله كذلك التفسير الخاطئ لمعنى ومفهوم الديمقراطية ، وتنازع القوم فيه وفيها على أعتاب الأعجاز الخاوية ، فخسر الجميع قيمة التغيير وخسر الناس قيمة الدماء والجهود التي بذلت من أجل صناعة الغد الأفضل الغد المأمول .
وكلامنا هذا ليس موجهاً لطرف دون سواه ، إنما هو لنا جميعاً ، فنحن شركاء في تغييب مقاصد التغيير عن عمد أو عن غير ذلك ، وشراكتنا لا تعفينا من المسؤولية الوطنية والمسؤولية الأخلاقية تجاه شعبنا وتجاه أمتنا ، نقول هذا لا لكي نراكم الخطأ ، بل من أجل الوقوف عند حدود ذلك لتصحيحه ومحاولة إستخراج الدروس والعبرمنه .
وكنا شهوداً على التجاوز المقصود الذي حدث على العملية السياسية وعلى العملية الديمقراطية برمتها ، تجاوزاً أخذ أنماطا وأشكالاً متنوعة و ممنوعة كلها ، تدخل الدين السياسي والدين الشوفيني فيها ليمزج بين القيم والمشاعر ، تدخلاً صادر فيها ومنها : حرية الرأي وحرية القرار وحرية المُشاركة ، ولم يتورع الراديكاليون وأنصار هذا السلوك من رمي المخالفين بكل قبيح ، حدث هذا وحدث غيره تحت سمع وبصر وتبرير المرجعيات والمؤوسسات الدينية الرسمية .
هذا السلوك كان ولازال مسموحاً به في تلك الأوساط ، وكنا نحن معشر الليبراليين الديمقراطيين نقول : ليكن الدين حياة للشعوب في توكيد قيم الله ومثله العليا ، وكنا نقول : وليكن ذلك كله بعيداً عن تجاذبات السياسة والسياسيين .
وقد تنبه البعض إلى أقوالنا هذه حين رفعوا سقف الحديث ليكون الوطن هو الأساس ، حدث هذا قُبيل الإنتخابات المحلية التي جرت في وقت سابق من هذا العام ، لكن لم يكن ذلك سوى مناورة ولعب على إرادة الناخب وعلى قراره ، لأن واقع الأمرهو غير ذلك تماماً .
وكلنا يعلم إن شعب العراق هو ليس واحداً من جهة مذاهبه الدينية أو الأثنية أو القومية بل هو مزيج من هذا كله ، ولأن ذلك كذلك يتعذر ان نفرض عليهم ديناً بعينه ، أو سلوكاً في الحكم مستوحى من تجارب الأحزاب ، بل الصحيح هو المشاركة في القرار والحكم ، والصحيح كذلك هو الإعتراف بحقوق الغير الثقافية والمناطقية وحرياتهم في التصرف باموالهم والثروات المحلية ، يأتي هذا منسجماً مع روح الدستور المُستفتى عليه ، ليكون بالإمكان في هذه الحالة تحريك عملية التغيير نحو العراق الجديد على نحو منضبط ومعلوم .
وليس تبعاً لرغبات قلقة ومزاج الناخب المُتغير ، ولنتذكر في ذلك القول اللاهوتي - الدين لله والوطن للجميع - الذي جعلناه عنواناً لمقالنا هذا ، ولنجعل منه واقعاً نعممه على شعبنا ، ليكون ذلك القول المأثور ثقافة له وأسلوب حياة في المرحلة المقبلة ، وفي هذا التعميم صوناً له ولمستقبله ، ولتقدم أبناءه وقدرتهم على التعايش من دون منغصات وهواجس وهموم وخوف وقلق ، فست سنوات من عمر العراق بعد التغيير : كافية للتعريف بنوع وشكل الوطن الجديد ، وهي كافية بعدما تعب الشعب من الموت والفرار والمنافي وفقدان الأمل بالحياة الحرة الكريمة ، ست سنوات كافية لنتجاوز بروح المسؤولية كل ضلالات الماضي وعقده وعنفه وسوداويته ، هي كافية من دون شك إن أحسنا النظر بعين الرعاية لمصالح شعبنا وقضاياه وحاجاته اليومية اللازمة والواجبة ...