ثمة حقيقة جامعة بين الأثنين هو ما يقوم على أساسه النظام السياسي في البلدين ، ولعل تجربة لبنان الطائفية ألهمت جهابذت العراق لكي يحذو حذوها ويقلدوها ويكتبوا دستورهم السيء على أساسها ، فكان ما كان حيث حكم الطوائف والمذاهب والقوميات الذي خرب البلد واحال شعبه إلى ركام .
وقد ساعد في هذا دور المحتل وأعوانه ومن هم على شاكلته الظاهر منه والخفي ، أولئك الأعوان والعيون الذين لا يملكون رصيدا في الواقع ، لذلك مالوا إلى هذا الإقتراح فتحول البلد إلى ضيع ومقاطعات وكانتونات وصدق عليهم القول ( كل حزب بما لديهم فرحون )
، وشجعت الطوائف أزلامها للنهب والسرقة وإفساد كل شيء وتعطيل كل شيء ، وإن حاول أحدا أن ينهض أو يصحح قام عليه أحاد وجماعات ليمنعوه ويخربوا عليه عقله و فعله ، حتى غرقت السفينة بعدما عاث فيها أهلها الفساد والجور والظلم ، ولكم أن تتصوروا حجم المسروقات من المال العام إذ بلغت ما يزيد على 460 مليار دولار هذا حسب الإحصاء الرسمي ، وما خفي كان أعظم وقد قيل قديما ( من أمن العقاب أساء الأدب ) ولنقل من أمن العقاب عاث في الأرض فساداً ، وهذا هو حال جماعة الحكم التي توالت على العراق تباعاً .
كان العراق وشعبه من قبل سقوط صدام يُمني النفس بحكم عادل يعطي للناس حقوقهم ويحترم حرياتهم ويضع عنهم أصرهم والأغلال التي كانت عليهم ، كان حلم العراقي أن تزول مظاهر الإستبداد والفساد والمحسوبية ، ولكن ذلك الحلم وغيره قد تبخر مع الأيام ، في وقت صعدت إلى الواجهة جوقة في الحكم فاشلة ساعدت عن عمد أو بدونه على هذا الفساد الكبير وأيدته ، حتى نمت وتضخمت طبقة جديدة تصدت للمشهد السياسي و الإقتصادي مستفيدة من هذا الفلتان وإنعدام القانون وضياع هيبة الدولة ، هذه الطبقة كان لها الدور الرئيسي في هذا الفساد وهذه الضعة ، التي جعلت العراق أسوء بلد في العالم من حيث الخدمات والعيش والكرامة والحقوق .
لقد جاءت المظاهرات بعدما طفح الكيل وبعدما شعر الناس ان لا احد لهم غير الله وأنفسهم ، فهبوا من كل بيت وحارة وشارع ورفعوا شعاراتهم ببرائة ، معتمدين على الله ومتكلين عليه في أن يأخذ لهم حقهم ، فالمجرمون كُثر وهم يخافون كل صيحة ، ولهذا شرعوا بقتل المئات من غير ذنب ، سوى تلك الصيحات التي تطالب بالحقوق والقانون وإنصاف المظلومين .
وإذا كان السيد رئيس الوزراء جاد واظنه كذلك ، فليقم بعمل جبار غير مسبوق ، وأن تطلب ذلك تعريض الكثير من الأشياء للخطر والإهتزاز ، وعليه أولاً ان يُقدم على محاكمة رؤس الفساد بأسمائهم وصفاتهم وعناوينهم ، ويعمد بقوة للقضاء على التسيب المستشري في كل أجزاء البلد من غير تردد أو مبالات ، وذلك قدر من يرد الإصلاح فعليه بالمبادرات الخلاقة غير المسبوقة .
إن حال العراق كحال لبنان وفساده كفساده ، وتلك التوليفة من الإقطاعيين والطائفيين هم من يتحكمون بمقدرات الدولة و الشعب ، الذي ذهب إلى الجحيم بظلهم وتحت رآيتهم ، وماهذه المظاهرات العملاقة إلاَّ دليلاً على تعري الحكومة بكل أطيافها وألوانها ، ومن هنا نقول : إن شعب العراق يقف معكم يناصركم ويدعوا لكم ، وهو يقول لكم : أيها المنتفضون بلبنان شدوا الوثاق ووحدوا رآيتكم ولا تتنازعوا فتفشلوا ويذهب ريحكم ، ونحن معكم نردد ( إذا الشعب يوماً أراد الحياة ... ) ، ذلك هو القدر الجامع بيننا في هذه اللحظات المصيرية .
إن التناغم بين الحراكين هنا وهناك جاء من وحي المعانات والألم والهوان ، وبعدما فشل الجميع وتكشفت كل الأوراق والدفاتر السود ، هنا كان لا بد من موقف شجاع مُقدام غير آبه بما سيكون ، والهدف هو تحقيق العدالة ونصرت المظلوم ونهاية الظالمين من حكام الطوائف الفاشلين ، نعم سيناكف هؤلاء تجار الحروب والطوائف هنا وهناك لكن حتمية التاريخ والقدر والأيام ستقول كلمتها للحق والعدل والإنصاف .
فيا أهلنا في العراق ويا أهلنا في لبنان عظوا على النواجذ ، ولا تغرنكم تلك الوعود الزائفة ، وعليكم أن لا تتركوا الساحات حتى تروا قد تحققت أهدافكم وما قمت لأجله ، ودعوكم من ألأعيب السياسة والسياسيين ونفاقهم وكذبهم ودجلهم ، وأعتصموا بحبل القوة والإيمان والثقة بالنفس ، والله والناس جميعاً معكم ثقوا بهذا وأن كثرت المعانات والتخويف والتهديد والرشوة والإملاءات من هذا الطرف أو ذاك ، فأنتم أصحاب حق وما ضاع حق وراءه مطالب ..