يجب الإعتراف منذ البداية بإن - الليبرالية الديمقراطية - تضمن للجميع الحرية الفكرية والحرية السياسية وتحافظ عليها ، متخذة منها عقيدة سلوكية وعقيدة أخلاقية شرعية صحيحة ، مقدمةً إياها على أنها المبدأ أو القيمة التي تكفل وتحافظ على ممارسة العقائد الأخرى دون المساس بإية واحدة منها ، وهذا بإعتبار كون - الليبرالية الديمقراطية - موؤسسة على منظومة قيم مجتمعية هي - العدل والحرية والسلام - .
كما يجب التنويه بان - الليبرالية الديمقراطية - لم تخسر الرهان في صراعها الإيديولوجي والفكري مع الأخرين في بلدنا العراق ، لأنها لم تميز نفسها عنهم بل أعتبرت نفسها بالفعل معنية بالدفاع عن حقوق الجميع قبل الحديث عن الواجبات ، و لذلك عدها البعض هوية وعقيدة بديلة ، بل طالب هذا البعض بجعلها عقيدة للدولة بدلاً عن العقيدة السائدة [ مع إنها موضوع أخر وقيمة أخرى غير هذا تماماً ] ..
و الدولة في نظر - الليبرالية الديمقراطية - هي عبارة عن مؤوسسة جامعة لا تميز بين مواطنيها أو الداخلين في حمايتها لا على أساس الاعتقادات ولا على أساس الأفكار والمتبنيات الفلسفية الأخرى ، ومن هذا المنطلق بل قل من هذه الرؤية هي في الوقت لا تعادي - الليبرالية الديمقراطية - أية عقيدة دينية كانت أو غير دينية ، فالدين حسب مذهبها وحسب ثقافتها هو - لله والوطن هو للجميع - .
والإيمان - بالليبرالية الديمقراطية - لا يأتي عن طريق القوة أو الإكراه أو القهر أو الغلبة ، بل يدخل ساحة المجتمع من خلال الفكر ومن خلال التلاقح الفكري وتعميم ثقافة الحوار ، وفي هذا يمكن تسويق - الليبرالية الديمقراطية - ككونها فكر عقلاني وثقافة حرة ، وليس ديناً موازياً أو مواجهاً للدين السماوي ، ولا هي نزعة تستهدف محاربة الدين كما يروج لذلك البعض من أعداء الحقيقة ، فمحاربة الجهل والتخلف لاتعني بالضرورة عندنا محاربة الدين فهذا أمر مختلف جداً ، و - الليبرالية الديمقراطية - يمكن إعتبارها عقيدة عقلانية تستهدف تحرير الإنسان وتحرير الفكر وتحرير العقيدة الدينية ، وفي هذا تكون - الليبرالية الديمقراطية - تعبير عن حاجة مجتمعية ومطلب شعبي ، وفي هذا تكمن قوتها ويظهر سر إنتشارها وسعتها في العراق وفي البلاد العربية الأخرى ، : ثمة حقيقة أخرى يجب ان لا تخفى عن الأنظار ألاّ وهي - إن الدولة هي مؤوسسة إجتماعية وليست مدرسة دينية ولذلك لا تشتغل بأمور الدين والعقيدة ، وكل ما يتعلق بالإيمان وأمور الدين فهذه الأشياء من القضايا الخاصة بالناس ، وهذا التعميم الذي نطلقه في تعريف الدولة لا يتعلق بعقيدة معينة بل هو تعميم يشمل كل قضايا الإعتقاد .
إن مهمة - الليبرالية الديمقراطية - الرئيسية هو بالعمل الدؤوب المستمر لتحسين حياة الناس الحياة المادية و المعنوية ، والإرتقاء بثقافة المجتمع وبتكوينهم الطبيعي فيما يخص قضايا العلم والمعرفة
..
وتبقى قضية العقيدة قضية متروكة لقناعات الناس وفيما يؤمنون به ، و - الليبرالية الديمقراطية – لا تنازع الناس في ذلك معمة مبدأ الحرية الفكرية للجميع وإعتماد المساوات في ذلك تاركة أمر التنافس للجماعة المدنية ..
وفي ذلك المعنى تستكمل - الليبرالية الديمقراطية – شرطها في جعل المؤوسسات العامة ومنها مؤوسسة الدولة حيادية في مسألة الإعتقاد والإيمان ، وهذا الشرط هو إقرار صريح بمسألة الإيمان الديني للجميع ، وهي إن لم تعمل على أساس ذلك تصبح الوجه الأخر للعقايد والنظريات الإكراهية ، وهذا غير ممكن من جهة ثقافتها ومن جهة نظرتها للواقع وكيف يجب ان يكون ؟ ، حتى إنها لا تفرض العقلانية ومذهبها على نحو إكراهي ، بل تدفع لذلك الإتجاه عبر تعميم خطاب العلم وإتباع منهج العقل في الحكم على الأشياء بناءً على ماهي عليه بالفعل ،
إن مفهوم - الليبرالية الديمقراطية - لا غنى عنه في إضاءة مفهوم ومعنى - الدولة - في شكلها الحديث ، ولا غنى عنها في تعيين مهمات الدولة وآليات عملها ، وتمييزها عن مهمات الدولة الدينية ومسؤولياتها ، فدورها حاسم في تطوير عمل المعرفة العلمية والتمييز بينه وبين الإيديولوجيات المعيارية ، فتحرير الدولة من سلطة الدين مسؤولية وواجب لحماية الإنسان أي إنسان ليعيش الحياة من دون أحقيات أو تزييف يلجأ إليه دعاة الدين السياسي ..