اعتبر الميثاق العام للحزب الليبرالي الديمقراطي العراقي : ( إن احتلال دولة الكويت كان كارثة اخلاقية وتأريخية ووطنية ، وهو سبب مباشر في تفكيك البناء الوطني والعلاقات الاجتماعية ، وهي قضية مست ضمير الامة في الصميم مؤدية على المستوى القريب والبعيد الى تداعيات على الهيكل والانتماء العربي والاسلامي ....) .
لقد اقدم الاحتلال على ضرب مبدأ الوحدة والدفاع المشترك في الصميم ، مما جعل ثقافة الفكر العروبي كثيرة الشبه بالفكر النازي لدى قطاعات واسعة من المجتمع العربي وقواه الديمقراطية والتقدمية .
ولهذا اعتبرت الثقافة التنظيمية ان مسلك العدوان هو اخلاقية لحزب البعث ونظم التربية والتثقيف لديه ... ان حزبنا كان اول من اعتبر الغزو جريمة تامة يستحق فاعلها كل العقوبة ، ولهذا ايد الحزب اليبرالي الديمقراطي العراقي و بدون تحفظ دعوات العالم الحر الى تحرير دولة الكويت و ان ادى ذلك الى استعمال القوة المسلحة...
ان الاباء الليبرالين القدامى كانوا دائما في المقدمة ضد كل توجه راديكالي او شوفيني ، ولهذا كانت مساهمتهم واضحة في تحرير اوربا من سلطة الرايخ النازي والحكومات الاستبدادية ذات النزعة الاحادية .
ان الليبرالين الديمقراطين هم دائما انصار الشعوب المضطهدة من قبل حكامها او من قبل حكومات مستبدة اخرى ، ومواقفهم تجاه حرية الشعوب و في العالم الثالث حصريا دليل على المسؤولية الاخلاقية والتاريخية التي يتحلى بها ويلتزم بها اليبراليون الجدد .
اعتبر الحزب اليبرالي الديمقراطي العراقي ان المرحلة التالية لبعيد انتهاء العمليات الحربية بين العراق وايران وفق مبدأ ( لا غالب و لا مغلوب ) ولدت نزعات دكتاتورية في عقل القيادة العراقية وحزب البعث ، وهذه النزعات جاءت كنتيجة منطقية للتضخم الهائل في الاجهزة الامنية والمعدات العسكرية للجيش العراقي ، وكذا لتراكم النظرة التآمرية على دول الجوار وخاصة دولة الكويت .
تزامن ذلك بزيادة مطردة لرقعة وحجم مؤسسات التصنيع العسكري التي ضمت اليها و بتوجيه من القيادة كل الخبرات و الطاقات البشرية العراقية و في توجه معد لانتاج وصنع اسلحة الدمار الشامل .
و كان تركيز القيادة في ذلك ينطلق من عقلية الهيمنة التي كان يفكر بها للسيطرة على كل منابع النفط ، وادخال العرب في وحدة اندماجية ذات خصائص بعثية .
ان ازدياد و تراكم الطبيعة العدوانية لدى صدام وعصبته شكل حافزا مضافا للتطاول على دول المنطقة ، مهددا اياها بالفناء و التدمير تحت عناوين الحرب الكيميائية او ما اطلق عليه حينها بالكيمياوي المزدوج وفي اعلان رسمي متلفز .
هذه العقلية التخريبية و العدوانية وجدت لها من يؤيدها عند جيل العروبيين ، الذين زايدوا على القضية القومية ،دافعين المنطقة و العالم بالتحريض الى حافة الهاوية ، مما ادى الى ارتكاب حماقات تاريخية سوف لن ينتهي اثرها على المستوى البعيد .
و هي نفس العقلية التي اغرت الرئيس السوري السابق حافظ الاسد للحديث عن نظرية التوازن الاستراتيجي مع اسرائيل ، منوها الى قدرات العرب في المجال و البحث الكيمياوي ، جاء ذلك اثناء حديث الى عمال سوريا بعيد انتهاء الحرب العراقية الايرانية .
لقد كانت لبعض القوى الفلسطينية صفة النفاق و الازدواجية في الخطاب السياسي و تحريض القيادة العراقية لارتكاب مزيدا من الحماقات ، لقد ادى ياسر عرفات و منظمته دورا خطيرا في انتهاك قواعد العمل السياسي العربي ، ان تضخيم شخصية الدكتاتور و تضخيم النرجسية في شخصيته باطلاق صفات من قبيل ( الفارس العربي و قائد الامة ) الى ما هنالك من الزيف السياسي و الاعلامي العربي ...
لقد طبل جمع من العروبيين للتوجهات التوسعية وللشعارات البراقة التي يروجها اعلام السلطة في بغداد ، شجع ذلك غياب الحريات والديمقراطية ودولة القانون في المنظومة العربية ، اضافة الى التركيز على الجانب الشعاراتي من مسألة الصراع الفلسطيني الاسرائيلي .
في التاريخ العربي تعتبر الدعوات باتجاه صنع الازمة حل للمعضل السياسي والاجتماعي الداخلي ، فلم تكن دعوات عبد الناصر حول رمي اليهود في البحر الا استجابة للتجاذبات في سوق السياسة العربية التي اعتبرت قضية تحرير القدس و طرد اليهود هو المسألة التي تبقي القيادات العربية على عروشها .
لقد ساهم الاعلام العربي في الترويج لذلك الاتجاه ، عززته كذلك توجهات بعض الاقلام العربية التي ركبت موجة البعث ، او بعث صلاح دين جديد ، هذه التوجهات وجدت لها استجابة في عقلية دكتاتور العراق على مستوى الشعار والتعبئة الجماهيرية .
لقد غالت السياسة العراقية في دفع الامور الى المواجهة مع قوى المجتمع الدولي ، وهذه المغالاة كانت نتيجة طبيعية للذهنية المتخلفة التي تحكمت برقاب العراقيين ، وكذا احاطت
نفسها بجمع من مروجي الفتنة و صانعي الازمات كمستشارين فلسطينيين او من جهلة البعث الغيرمتعلمين ، والذين تولوا مناصب قيادية تبعا لمبدأ الولاء و الطواعية السائد في ادبيات البعث و عصبته .
ان عصر التجييش و العسكرة بدأ مع حركة التعبئة الجماهيرية والتحريض و الاصطفاف باتجاه المبدأ الوحدوي في ظل نظرية التطهير العرقي ، متناسيا دور الحكومة و منتسبي الحزب تجاه عملية اعادة البناء و الالتفاف الى حاجات العراق و العراقيين المصيرية .
لم تكن قضية اعادة البناء والتنمية الوطنية وتحسين الظروف المعيشية للعراقيين الذين دمرتهم الحرب العراقية الايرانية اي حساب . فقد كان اعتبار مسالة البناء الوطني ينطلق من تدعيم الجبهة العسكرية دون سواها ، فيما اخل بقواعد البناء حول الطرق التي تعزز النتماء وتصنع الوطن . فالقيادة العراقية اصدرت في ذلك سلسلة من التوجيهات في ربط عجلة البناء بتطوير البناء العسكري ، وهنا كان الخلل البنيوي في اهمية الاعداد الوطني والتربية والسلوك . وفي التقرير السنوي لقيادة قطر العراق لحزب البعث جاء ما يلي (( أكدت امانة سر قيادة قطر العراق لحزب البعث على دور الجيش في صنع التأريخ )) .
لذلك مارست القيادة في العراق طرقا شتى ادت الى زيادة رقعة الاجهزة الامنية و العسكرية حتى ناهزت المليون ، وهي نسبة لا شك كبيرة في مساحة جغرافية محدودة ذات علامات فارقة معينة . ان تسخير كل الطاقات و الامكانات الوطنية في اتجاه تضخيم المؤسسة العسكرية وارهاب دول الجوار والتهديد الدائم شكل علامة في العلاقة مع الاخر صفتها اللااستقرار و الاضطراب .
أكدت الادبيات الاعلامية لحزب البعث فرع العراق على الترويج المباشر لدفع الامور الى حافة الهاوية ، مستغلة الضعف في الخطاب السياسي العربي ، والتناحر العربي العربي الموغل في خلافات الحدود وحول الادوار و طبيعة العلاقة مع الاخر . ان بعض زعماء الدول العربية دفع صدام دفعا نحو صنع المشكلة وتأزيم المنطقة عبر التشويش حول ما يجب فعله وعمله على نحو واقعي ، ان تبديد الثروة الوطنية في خلق الصراعات المحلية ادت الى تفكيك وحدة الشعار و المتبنيات العربية بحيث صار الخلط في المفاهيم عنوانا عاما يؤطر السلوك السياسي والاعلامي العربي ، ناهيك عن دور المنظمات الحزبية التي تضررت بسبب التصادم العربي العربي .
لقد بشر صدام بحروب عربية عربية ، وحروب عربية امريكية ، جاء ذلك في خطابه
الى مجلس التعاون العربي في شباط عام 1990 م . ان بشارة صدام حول الحرب المستقبلية بررتها الاجهزة الحزبية و الاعلامية على انها تدعيم للموقف العربي المتصدع وخلق روح جديدة ترفض الهزيمة . تقول صحيفة الثورة الناطقة باسم حزب البعث و الصادرة في اذار لسنة 1990 ( ان دعوة القائد تنطلق من وعي بالمراحل التاريخية و تذكير بدور الرجعية العربية في النكبة التي حدثت عام 1967 م ، و لهذا فالحرب هي التي ستعيد الحقوق ، وان لا احد يستطيع اداء الرسالة فكان واجبا على العراق ان يكون في المقدمة ، ولا يتم ذلك من دون تطهير الساحة الداخلية انتظارا للمواجهة المستقبلية ) .
منذ ذلك الحين بدا العراق بالاعداد لهذه الحرب التي لم تكن بالحسبان انها ستكون مع الكويت وشعبها وارضها ، ولكن الاجراءات التكتيكية كانت تخفي ذلك الهدف اللامباشر في عقلية صدام وعصبته .
لقد دعمت اجهزة البعث الاجراءات الاحترازية مع زيادة ملحوظة في الاحتياطات الامنية الداخلية والاعتماد المبرمج على تكثيف الدعاية المزدوجة بين قضية فلسطين و قدرة العراق و صموده ، كانت اجهزة البعث تخطط للمعركة التي اعطيت اسماء و صفات تشعر بطبيعتها و عنفها و اهدافها . لقد كثفت الاجهزة الاعلامية من البرامج التأريخية و جغرافيا ما قبل الحرب العالمية الاولى و دور العراق المستقبلي في ظل غياب شرطي الخليج وانكفاء ايران نحو الداخل بعد تحطم الكثير من عقيدتها التوسعية و شعاراتها عن الدين و الدولة .
ان دائرة التخطيط المركزي في امانة السر لحزب البعث قامت باجراءات عملية من خلال الاعداد للوثائق التاريخية و تكثيف حلقات الاعداد و البرامج الثقافية عن العراق الكبير و بلاد الرافدين الكبيرة ، و التوجيه المباشر لقواعد الحزب التنظيمية لخلق روح جديدة استعدادا للمرحلة الحاسمة والمقبلة .
كانت صحف النظام المقرؤة تعد لهذه الحرب و تغذي الشعب بموجة من الافكار القانونية عن الحقوق التاريخية والجغرافية للعراق في دولة الكويت ، منوهة الى الاخطاء التي ارتكبتها الاجهزة الدولية في التقسيمات الجغرافية لمرحلة ما بعد سايكس بيكو . وبدا و كأن الاعلام العراقي الرسمي يعد لمرحلة الوحدة الاندماجية و القهرية مع العرب ، و حسب المبدأ البعثي فالضرورة تقتضي اولا البدأ مع الحلقات الاصغر و الاضعف ، هكذا كانت استراتيجية التنفيذ في خلايا حزب البعث .
ضمن هذه السياقات الاعلامية وما رافقها من حشد دعائي سياسي كان الجميع من المشتغلين عند العرب يطرحون نظرية الحرب باتجاه ضم سوريا ووحدة جناحي حزب البعث ، كانت هذه الطروحات تطغى في كثير من الندوات والمحافل السياسية ، خاصة و ان للبلدين تجربة فاشلة مع الميثاق القومي الذي اذيع من بغداد نهاية 1978 م .
لقد قلنا في فقرة ماضية ان الاضطراب في الاداء السياسي العربي كان السمة البارزة التي تطغى في الواجهة الاعلامية و الشعبية ، و لم يكن هناك من وضوح في الشعارات و الاهداف ، ومع ذلك لم يخطر ببال حتى المقربين لنظام صدام بانه سيجرؤ على عملية باتجاه آخر و من نوع آخر .
وهنا لا بد من التذكير بان مؤتمرا للزعماء العرب انعقد في بغداد تحت عنوان مساعدة العراق بوجه التحديات و التهديدات الموجهة له من الولايات المتحدة ، حاول صدام و عصبته تحديد طبيعة و شكل الشعارات للمرحلة المقبلة ، كي يتسنى له ايجاد المبرر الاعلامي و الدعائي لمواجهة متطلبات الجمهور من الشعب العربي ، و طبعا كانت قضية الشعب الفلسطيني حاضرة كغطاء لتسويق بعض الشعارات التي غدت نشازا في ظل المتغير في العقلية العربية و حجم التراكمات و الهزائم التي اربكت الوضع النفسي و الاجتماعي للعرب قادة و شعوب .
و قد اخفقت محاولات صدام و بعض المتعاونين معه من الزعماء العرب في دفع الامور باتجاه التصعيد او اتخاذ مواقف محددة ، و فشل العرب مرة اخرى في كبح جماح الطامحين و المغامرين من الانخراط في اللعبة السياسية ذات الابعاد الدولية الخطيرة .
وظل العراق يعمل جاهدا لتحقيق حلم الزعامة و بكيفيات متنوعة ، حتى كانت مناسبة 17 تموز ذكرى قيام سلطة الاستبداد البعثي في العراق ، كانت تلك مناسبة ليظهر قادة العراق طبيعتهم و نواياهم باتجاه دولة الكويت و شعبها الشقيق .
لقد جسد خطاب صدام في ذلك اليوم نقطة البداية للانهيار التام للمؤسسة العربية و لقضاياها التي كانت تتغنى بها ، كان بداية النهاية لاحلام الطاغية في زعامته على المنطقة العربية ، لقد حاول صدام ترويج فكرة الهدر المتعمد للثروة العراقية و تدمير البنية الاقتصادية من قبل الكويت ، كانت تلك المزاعم بداية عصر نهاية البعث و ازلامه .
اراد صدام او هكذا خيل له بانه قادر على ان يكون شرطيا للخليج و المنطقة عبر الاستيلاء على آبار النفط الكويتية ، و لم يخلوا حديثه عن ذلك عبر التنويه الى حقول الرميلة الحدودية، و مع ذلك التصعيد المخطط له بعناية حاولت السعودية عبثا ان تجد مخرجا للازمة عبر دعوة الطرفين للتفاهم حول ما يمكن جعله البداية في تصحيح او اصلاح العقلية العراقية التي خططت للعدوان ، عبثا حاولت المملكة العربية السعودية في ايجاد مخرج عملي يسد الطريق امام هذا النزوع العدواني و في ظل تحريض و تعبئة في الاجهزة والمنظمات الحزبية السياسية و الاعلامية..
لقد كانت المبادرة السعودية لحل الازمة التي صنعها حاكم العراق تصطدم بعقلية حاقدة و مريضة لا تعمل من اجل حماية الثروة و الاقتصاد العراقي من التدمير ، بل ساهمت في تدميره نهائيا عبر اصرارها المتعمد على دفع الامور الى الانحدار ، ظنا منها بان ذلك قد يحقق مكاسب كبيرة وسيحرج اصدقاء الكويت من التدخل ، بل انهم سيرغمون للتفاوض معه، هكذا ادار صدام و عصابته الحركة السياسية قبيل الغزو .
في ملاحظة لا تخلوا من قيمة ذكر السيد محمد حسني مبارك رئيس جمهورية مصر ، انه وفي جولاته لحل الازمة كان يطرح على صدام سؤالا لطالما اقلق الكويتيين الا وهو لماذا هذه الحشود الضخمة من الفيالق العراقية شمال الكويت . فكان الرد دائما بانها في تدريبات روتينية ، مضللا و مسفها عقول الاخرين ومستخفا بهم .
حتى كان يوم الثاني من آب 1990 م ، اليوم الذي غير وجه التاريخ و رسم خريطة سياسية جديدة للمنطقة و العالم ، يوم مشؤوم على العراق والمنطقة والعالم حينما زحفت دبابات جيش صدام محطمة اسوار دولة الكويت في عملية غادرة جبانة ، وفي خلسة من الزمن اثبتت معها عقم شعارات بعث العراق وزيفها وكذبها عن العروبة والعرب والكيان الموحد والدفاع المشترك ، كان يوما حرك ضمير العالم كله على لصوصية من نوع جديد اكدت صدق دعوانا بان سفاح بغداد كان اظلم شخص عرفته المنطقة ، هو ومن معه يمثلون الارهاب الدولي المنظم و البشع ، المتعدد الاطراف والمستخف بكل المواثيق والعهود والقيم .
لقد حاول صدام وعصابته ادخال تغيير في خارطة العالم الطبيعية ، من خلال جملة
اجراءات ارتجالية متسرعة في صورة خطاب تعبوي وتثقيف اعلامي عن مفهوم الوحدة الاندماجية ، وعودة الفرع الى الاصل ، و ما الى ذلك من شعارات ايام الاحتلال السوداء .
لقد اراد صدام فرض سياسة الامر الواقع وارغام المجتمع الدولي على قبول فكرة الغاء دولة الكويت من الذاكرة الدولية ومن الخارطة ، فقد مارست اجهزة النظام كل الوسائل لبلوغ ذلك، بالاغراء تارة وبالترهيب تارة اخرى ، مستخدما شتى الطرق الارهابية و توزيعها على ابناء دولة الكويت ، الذين قاوموا هذا الزيف وهذه الهجمة البربرية و اعطوا كل غال و ثمين على مذبح حرية الكويت وصيانة استقلالها و كرامتها.
كانت مقاومة جسورة وعمل منظم جسد عمق الحس الوطني لابناء دولة الكويت و التفافهم حول قيادتهم التي ما بخلت عليهم في كل المحافل لارجاع الحق الى اهله وتدمير عقلية العدوان . هكذا كانت الروح العالية و المسؤولية الوطنية لكل فرد في العائلة الكويتية الكبيرة .
نعم اراد صدام ان يغير معالم الوجه الحضاري للكويت عبر اغراء كتاب ومثقفين عرب لاعتماد خطاب موحد من قضية الكويت ، وقد سار اسفا على ذلك بعض انصاف المتعلمين و المزييفين من قوميين ويساريين في عملية غير متوازنة على مستوى الشعارات و الاهداف .
لقد اعتبر الحزب الليبرالي الديمقراطي العراقي قضية احتلال الكويت و الموقف منها يتخذ انساق متنوعة حسب الموقف منكل شأن فيها ، فهي على المستوى القانوني تعتبر جريمة تامة باعتبارها اعتداء على السيادة الوطنية لدولة اخرى ذات سيادة و تدخل سافر في شؤونها الداخلية ، واحتلال اراضيها و احتلال ارادة شعبها بالقوة المسلحة .
وهي على المستوى السياسي اثبتت للعالم صدق تحليلنا للوضع العراقي و سيادة الديكتاتورية فيه ، وان احتلال الارادة السياسية وتغيير الوضع الجيوسياسي امر مرفوض ومدان ، وهو يشكل عنصر تحدي لقوى العالم الحر وسعيها لبناء عالم جديد تحطمه الشرعية و يسود فيه القانون .
اثبت الاحتلال على المستوى الاقليمي خطورة الذهنية والعقلية التي يقود صدام بها العراق ، خطورة قد تدفع الى حماقات تؤدي الى اعتداء على السلم و الامن الدوليين ، وهذا ما حدث بالفعل .
اثبت الاحتلال عقم النظرية السياسية الحاكمة في المنطقة العربية ، لانها لا تقوم على الاسس الديمقراطية او منظومة القيم و مبادئ حقوق الانسان . وكذلك اثبت الاحتلال مدى الاضطراب في الفكر السياسي العربي تجاه القضايا التي تواجهه ، وهذا يعني الخلل في مباني الشعارات التي يتبناها الفكر السياسي كايديولوجيا لحمل الناس على قبولها والايمان بها . و الاحتلال بحد ذاته تطرف و نزوع راديكالي استبدادي قائم على قراءات مزيفة للتاريخ و الجغرافيا والقانون والنظم السياسية .
ان الحزب الليبرالي الديمقراطي العراقي يعتبر ما حدث على دولة الكويت انتهاك صارخ للقيم والمبادئ الانسانية و نظم الحرية والعدالة و السلام ، لاننا نؤمن بان الفكر التاريخاني لجيغرافيا العراق و الكويت تتحكم بقسط وافر منه الانفعالية وعدم التوثيق والخلط وعدم الدقة، اذ لم تكن الكويت شعبا وجغرافيا جزءا من العراق ما بعد التاسيس الحديث ، ونعني بذلك حقبة ما بعد الحرب العالمية الاولى ، و هو سابقا شأنه شأن كل الممالك العربية و الاسلامية يخضع لنظام الهيمنة الاستبدادية للدول وللحكومات وللخلافات ذات النظم الشمولية منذ التاريخ الاول لبلاد ما بين النهرين و الى عصر السلاطين و دولة العثمانيين ، مرورا بكل الدويلات التي اجتازت العصور الاولى الاموية والعباسية و الى يومنا هذا .
ان الحزب اليبرالي الديمقراطي العراقي يؤمن ايمان مطلق غير مجزء بالحدود الامنة لدولة الكويت الشقيقة كما هي مقررة ومتفق عليها من قبل الهيئة الاممية قبل و بعد الاستقلال ، واننا نؤمن ونحترم استقلال دولة الكويت و بانها عضو فاعل في منظمة الامم المتحدة و الجامعة العربية و المؤتمر الاسلامي ، انها عضو فاعل و نشيط ، و ان ايماننا هذا تعززه الوثائق والمعلومات الاكيدة الثابتة والمدونة في السجلات الدولية .
اننا في الوقت الذي نعتبر ذلك جزء من رؤية الحزب الشاملة ، نعتقد ايضا بان تحرير العراق من سلطة الاستبداد يعتبر المكون الرئيسي و الهام في المنطقة لدولة الكويت ، وان العراق اليبرالي الديمقراطي هو الضامن لاستقلال الكويت و حريتها و امنها و سلامتها ، ولن يكون ذلك ممكنا في ظل الشعارات الاسلاموية المتطرفة ، و لا من قبل خطابات القومية الشوفينية الظالمة .
ان عراقا واحدا موحدا تحكمه الديمقراطية وتسود في شعبه ثقافة الليبرالية هو الكفيل في التأسيس لقواعد سياسية جديدة في منطقتنا و العالم .
الجزء الثاني :
عقلية الهيمنة لدى الزعماء العراقيين
كما نعلم ان العراق الحديث لم يكن ليكون بالصورة التي عليها الان كخارطة جغرافية سياسية و كتنوع قومي اثني الا كنتيجة للحرب العالمية الاولى و لاتفاقية سايكس بيكو . فلو استمرت الحرب لما بعد عام 1918 م ، لربما راينا شرق الاناضول كله او جزءه داخل العراق الحديث ، ولو توقفت الحرب قبل ذلك ، لنقل مثلا عام 1915 م ، لكان العراق لحد حدود مدينة بغداد او اكثر بقليل .
هذا معناه ان ما نراه الان من خرائط او بالاحرى حدود تفصل ما بين الدول في الشرق الاوسط ، ما هي الا نتاجات لحروب او اتفاقيات بين دول كبرى .
ما يهمنا الان من هذا الحديث ليس للتعبئة الجماهيرية كما كان يحدث دائما عند دراسة التاريخ و بالاخص الحديث من قبل الكثير من الاحزاب والقوى السياسية . ولكن المهم هو ان نعرف اننا ارثنا هذه الحدود من الماضي و علينا تقبلها والتعايش معها لانها الواقع الان . وهذا لا يعني بالصورة السلبية للتقبل كما يهئ للوهلة الاولى ، بل بالصورة و الواجهة الايجابية ، لعلمنا و ادراكنا بان الدول و الامبراطوريات في العالم وعلى مدى التاريخ هي كالبشر ، لها زمن ولادة و صيرورة ، ثم مرحلة الزهو والنمو والشباب ثم الشيخوخة و السقوط و الاضمحلال .
وان يكون تقبلنا للموضوع كما هو لا يعني بالضرورة ان تقوقع داخل حدودنا ، بل علينا ايجاد الطرق و الوسائل للتواصل عبر هذه الحدود ، وايجاد نقاط التكامل فيما بيننا و التاكيد عليها وتعميقها ، و بنفس الوقت معرفة نقاط الخلاف و الضعف لنعالجها و لا ندعها تنموا لتشكل خطرا على علاقاتنا ، وهذا ما وقع به و للاسف جميع حكام العراق بالعصر الحديث تقريبا . فكان التركيز على نقاط الخلاف و تضخيمها ، فهم جميعا رؤا هذه الحدود ولكنهم حاولوا تغييرها وتغييبها بالقوة والضم ، و بقوا جميعا بعقلية العصور الوسطى حيث لا يوجد حل لاي معضل الا بقوة السلاح و العسكر .
لنعود لنقطتنا الاولى و هي الحرب العالمية الاولى و بداية ظهور العراق الحديث . كما نعلم جميعا ان لبريطانيا ولفرنسا قبل الحرب العالمية الاولى مصالح في المنطقة ، وكانت تريد الدخول الى المنطقة باي شكل لتامين طريق الهند بالكامل ، ولقطع الطريق على المانيا بالتوسع نحو المياه الدافئة .
هذا الصراع الاوربي الداخلي اعتبر منطقة الشرق الاوسط احد مناطق الصراع و النفوذ فيما بينها ، بل اهم منطقة في العالم . و كما نعلم ايضا فان اوربا بكل دولها و اقاليمها كانت تنظر الى الدولة العثمانية و منذ فشلها بدخول فيينا بعد حصارها لمدة ستة اشهر في القرن السابع عشر ، بان هذه الدولة ستسقط في يوم ما ، وان عليهم استقطاع اكبر قدر ممكن من اراضي هذا الرجل المريض كما كانت تسمى حينها كغنائم .
كانت احدى الخطط لزيادة النخر بجسد الرجل المريض و بالتالي تمزيقه ، هو باعطاء دفعة زخم قوية للشعور القومي للقوميات المنضوية تحت لواء السلطان العثماني كي تكون اداة داخلية مساعدة في اسقاط الدولة . فكانت الدعوة القومية لكل القوميات بالاستقلال . وهو فكر غريب عن المنطقة وارثها الثقافي ، حيث لم تفكر شعوب المنطقة بالسابق و لا حتى شعوب البلقان التي كانت جزءا من الدولة العثمانية بالاستقلال عنها على اساس قومي ، لان ما كان يربط الشعوب كلها هو العامل الديني الذي يمنع التمييز على اسس عرقية قومية .
وكان لورنس العرب و دوره في شحد همة شريف مكة الشريف حسين لرفع السلاح بوجه الدولة العثمانية الدعوة لقيام الدولة العربية الكبرى .
وساعد البريطانيون الشريف حسين بالسلاح ، ومن ثم تم تنصيب ابنه فيصل قائد الجيش العربي ملكا على سوريا ، ولكن ذلك لم يرض فرنسا فتمت تنحيته ، ولما قامت ثورة العشرين بالعراق والتي ابتدات بالرميثة ، وضخ بها رجال الدين وبالاخص الشيعة الدم والخطاب ، احتاجت بريطانيا لحل المعضل بالعراق ، فكان ان تم تنصيب الملك فيصل المخلوع من عرش سوريا على عرش العراق .
احتفظت بريطانيا بقواعد لها بكل من الشعيبة في الجنوب والحبانية في الوسط ، كما انها ابقت على الكويت تحت السيطرة المباشرة البريطانية ولم تدخلها ضمن العراق الحديث ، كما تم ضم الاحواز الى ايران .
لنرى المنطقة قبل الحرب ، كان العراق ثلاث ولايات تحت حكم الدولة العثمانية ، ولاية البصرة ، ولاية بغداد وولاية الموصل . وكانت مدينة الكويت وكذلك منطقة الاهواز والتي من ضمنها مدينة عبادان و الاحواز ضمن ولاية البصرة ، هذا كان عندما كان السلطان العثماني يحكم المنطقة بكاملها ، وهكذا كان التقسيم العثماني لها .
وبعد الحرب العالمية الاولى وبعد تنصيب الملك فيصل الاول ثم مجئ ابنه الملك غازي ملكا على العراق ، بدا غازي العودة الى حلم جده الشريف حسين بايجاد الدولة العربية الكبرى ، فاسس اذاعة بقصر الرحاب ، كان يخطب بها و يعلق بنفسه وبصوته مطالبا و بادءا بالكويت . ولكن الملك مات بحادث سيارة عام 1939 م ليخلفه ابنه الطفل فيصل الثاني وليكون خاله عبد الاله وصيا عليه وعلى عرش العراق .
هدئت الامور لفترة لحين مجئ عبد الكريم قاسم رئيسا للوزراء و للدولة لاول جمهورية في العراق ، وعاد ليطالب بالكويت ، وقتل عبد الكريم عام 1963 م على يد حزب البعث عند مجيئهم الاول للسلطة بالعراق . فلم تمهلهم فترة التسعة اشهر مدة بقائهم بالسلطة كي يجددوا المطالبة ، ولكنها كانت واضحة تماماعند مجيئهم الثاني عام 1968 م حيث كانت سفارة العراق بالكويت كانها الحاكم الناهي ، وهي تتصرف كحكومة داخل الحكومة .
من السياق السابق نجد تقريبا ان جميع حكام العراق كانت لهم مطامع بالكويت ، وكانت هذه المطامع تصل لدرجة الغاء البلد من الخارطة ،بل هو ما حدث فعلا عندما احتل صدام والبعث الكويت .
ونجد ان هؤلاء الحكام اما انهم من نسل الشريف حسين الحالم بدولة العرب الكبرى و الشعار القومي القديم او انهم من حملة شعارات البعث القومية الشمولية ، او انهم من العسكريين الطامحين للسيطرة .
هذا يدلنا على عامل مشترك بين الجميع وهو حب الهيمنة و السيطرة على المنطقة والتوسع، لا اعتراض لدينا على قيام كيان عروبي كبير يحوي العديد من الدول ، ولكن اعتراضنا ان يتم ذلك بالقوة الغاشمة ، فان تم الامر بالتراضي و القبول عن طريق الشعوب فلا مانع ، ولكن ان يفرض فرض من السلطة الحاكمة او بالاحتلال و ما على الشعوب الا الطاعة ، فهذا غير مقبول مطلقا ، بل هو جريمة كبرى لانه يلغي اهم ركن باركان الدولة وشكلها الا وهو شرعيتها ورضا الشعب عنها .
اما الاسباب المطروحة كاعذار للمطالبة بالكويت وانها كانت جزءا من العراق ، فلنعود ونرى متى كان العراق بهكذا شكل ، انه تاريخ لا يصل للمئة عام لحد الان ، وقبلها كان العراق مع دول اخرى تحت احتلال الدولة العثمانية ، وقبلها كان وكان ...
فلم تكون العودة للمئة عام السابقة ، لم لانعود الى زمن هارون الرشيد مثلا عندما كانت بغداد تحكم كل المنطقة وبضمنها شمال افريقيا و لحد حدود الصين ، فعلينا اذن ان نطالب بسمرقند و افغانستان واذربيجان وغيرها كثير لنظمها للعراق لانها كانت يوما تحت حكم خليفة بغداد .
ثم لم لا تطالب دمشق بضم بغداد لان العراق وايران كان زمن الدولة الاموية تحت حكمها . اذن من هنا لا نجد اي منطق للرؤى ، بل هو الا منطق بحد ذاته . فاذن لم نبرر لانفسنا ولحكامنا وللعراق و نلغي بلد ودولة الكويت لانها بالماضي القريب كانت جزءا منا وننسى اجزاء اخرى او ننسى اننا نحن انفسنا و كعراق كنا جزءا من دول اخرى .
ما يدعوا اليه الحزب الليبرالي الديمقراطي العراقي هو نظرة واقعية للامور ، وهذه تتم اولا بتقبل الواقع والتعايش السلمي مع كل الدول المجاورة على اساس احترام حدود و استقلال هذه الدول بضمنها الكويت ، وعدم التدخل بالشؤون الداخلية ، وعدم النظر الى دولة الكويت باللاخص كانها جزء او اخ صغير ، بل دولة كاملة الاستقلال ، ذات حدود معترف بها ولها سيادة كاملة عى ارضها .
و ان يتم التعاون الاقتصادي و الثقافي و الاجتماعي باقصى مداه ، وان يكون على المستوى الشعبي بين شعبي البلدين قبل ان يكون بين القيادتين .