أبداً لا يصح التمييز بين القيم الليبرالية والثقافة الديمقراطية ، لأنهما في الواقع حقيقتان متمازجتان ومتماهيتان وتتحركان في الإتجاه نفسه .
فالقيم الليبرالية :
هي التعبير عن معنى الحياة الطبيعية القادرة على صناعة المجتمع الصالح ، و التي بإستطاعتها تأهيل الفرد ليكون شعوره بالمسؤولية شعوراً جمعياً حقيقياً ، لذلك فهي أي القيم الليبرالية تؤسس لبناء المجتمع المدني - مجتمع العدل والحرية والسلام - .
والثقافة الديمقراطية : هي حركة وعي الشعب وتحرره من عقد الأستبداد والدكتاتورية ، وإيمانه بالتبادل السلمي والطبيعي للسلطة عبر الإختيار والإنتخاب الشعبي الحر .
والفصل بينهما فصل بين ثقافة الشعب وقيمه لأرتباط ذلك كله بمصالح الأفراد الحيوية ، من من هنا يكون التمييز بين الثقافة والقيم تمييز بين الواجب والحلال في الشرط الشرعي والشرط الموضوعي للقضية الواحدة أو في القضية الواحدة ، ولا نجد من يميل إلى ذلك سوى البدائيين في العمل السياسي من النرجسيين وخصوم الحرية ، وصفة ذلك في المنطق الطبيعي هو ترف عقلي محض وتسطيح لا غير .
والحجةالتي يقدمها أنصار التمييز بين القيم الليبرالية والثقافة الديمقراطية لا تندرج في البحث في الكبريات من القضايا السياسية والاستراتيجية المتعلقة بعملية التحول الطبيعي نحو الديمقراطي ، بل بالقضايا التي تتعلق بأسلوب ولغة الخطاب الإجتماعي ، فالبعض يعتبر الليبرالية هي خصوص معنى الحرية كذات دون الصفات ، هذا الكلام لا يميز في الأساس بين الحرية والحاجة بل لا يميز بين الإختيار والحرية ، تماما مثلما لا يميز بين الفكر ومحتوى التفكير ، وقد أشار إلى ذلك جان ستيوارت ميل [ في الحرية ] ذلك الكتاب الذي يُعد مرجعاً نظرياً إلى اليوم ، [ حتى في المجتمع الأمريكي ذاته ] .
وشعبنا العراقي الذي خرج من سطوة الاستبداد ، يعرف تماماً الشيء الذي يحقق له أمنه ومستقبله ، ولأنه كذلك فلا يلزمه التفريق والتمييز بين القيم الليبرالية والثقافة الديمقراطية ، وعليه ان يترك الجدل في ذلك حتى تستكمل الليبرالية الديمقراطية دورة الحياة الضرورية لها ، وذلك منهج نتبعه في الوعي بالإعتماد على السياقات التاريخية الخاصة والمراحل التاريخية المركبة التي تعتمد الوعي التاريخي .
والليبرالية عندنا هي
فلسفة الحياة التي تنمي لدى المجتمع مفهوم الحرية الإقتصادية والسياسية والثقافية ، وهي بهذا اللحاظ تعتبر إن مستقبل الشعب مرتبط بتطور الوعي الديمقراطي لديه ، ذلك الوعي الذي يعمم مفهوم الإرادة الحرة المسؤولة ، ومن خلالها كذلك يمكننا تعميم ثقافة الديمقراطية لتشمل كل فئات ومكونات الشعب ، وهذه الكلية في كلامنا إنما تقدمها الليبرالية بإعتبارها ضرورة تاريخية أو لنقل حتمية تاريخية ، لا يمكن حصرها بفريق ايديولوجي معين أو محدد ، فالليبرالية تفتح صدرها للجميع لا تلغي أحداً في حساباتها ولا تسمح بذلك .
لأنها : حركة وعي إجتماعي وتنظيم اقتصادي وسياسي ، وهي ليست ظاهرة تاريخية متغيرة كما يظن البعض ، بل هي حركة دائمة الصيرورة والتقدم تعبر عن جدل التاريخ وتطوره ، لذلك تستوعب حركة التغير المجتمعي وتمده بأسباب الدوام والإستمرارية والتجدد ، وكما أوضحنا في مقال سابق إن التواصل بين الليبرالية الكلاسيكية والليبرالية الجديدة هو تواصل قيمي مضطرد ، أي إنه تواصل موضوعي وتواصل تاريخي يمر عبر أو من خلال التجربة التاريخية التي تختزن المضمون الليبرالي العام ، لذلك فهي بهذا اللحاظ فلسفة نظرية وعملية للحرية والحياة في الفكر السياسي المعاصر ، وتطابق قيمها مع ثقافة الديمقراطية هو تطابق في الخيارات والمسارات كافة .
ولهذا قلت وأقولها مرة ثانية : إننا في العراق يجب ان لا نفرق في خياراتنا التي تصنع التقدم لنا ، ولقد إدراكنا نحن في - الحزب الليبرالي الديمقراطي العراقي – هذه الحقيقة منذ البداية حين أطلقنا على تنظيمنا هذا – الليبرالي الديمقراطي - وليس الليبرالي وحسب.
وهذا يعني إننا نستطيع بناء المجتمع السياسي الذي يسمح بالتداول السلمي للسلطة من خلال التعدد والمشاركة مع الجميع ، وهذا هو الممكن الذي يساهم في بلورة رؤية سياسية موحدة للعملية الديمقراطية ، تظم كل الأطراف والمكونات الشعبية ، فالوصول للديمقراطية هدف نسعى إليه مع الآخرين من قوميين ويساريين وإسلاميين ، لأن مصلحتنا واحدة مع الجميع ، ولايجوز بحال سلب حق النضال من أجل الديمقراطية من القوى الأخرى هذا هو الذي نؤمن به والذي نعمل من أجله ، فالليبرالية الديمقراطية خيار الجميع ، حين يكون هذا الجميع أو يتمثل بالإرادة العامة .