في المسح المعرفي لمعنى كلمة - دجال - يتبين إنها جاءت مركبة وصفاً و نعتاً لحال الموصوف به من الفعل والفاعل ، وثمة تعاريف أتى بها اللسان العربي وهو يصف الفاعل ، فيقول تارةً : هو الكذاب بالقول والفعل ، ويقول طوراً : هو المُخادع القادر على تضليل بعض الناس فيوهمهم بلباس الأتقياء و العفة والشرف ، وثمة من يقول : هو المموه الذي يظهر ما لا يُبطن من أشياء ( المنافق ) ، وصفات الحال هذه إن اسقطناها على أرض الواقع فإننا سنلتقي بكثيرين من هنا وهناك ممن يتصفون بذلك ، وفي الجمع الرياضي يمكن القول : هي ظاهرة تعبر عن سلوك وأخلاق وحياة اجتماعية تستهدف كيان ودواخل المجتمعات فتخربها .
والمرء لا يولد دجالاً قول قاله أفلاطون ، ولكن البيئة وظروف الحياة القاهرة هي التي تصنع منه دجالاً ، وعلى هذا يأتي السؤال في السياق : وهل يكون لظروف النشأة والخلل في موازين الحياة الإجتماعية والإقتصادية دورا في صناعة الدجال ؟ ، ثمة من البعض قالوا نعم ، معتبرين الفقر والحاجة رأس كل خطيئة !! ، بلى ان الفقر يدفع للضلال والتضليل وخداع الناس بإعتباره أم القواهر النفسية ، ولكن ثمة من البعض أخرين قالوا لا ، معتبرين القيم الصالحات والمبادئ والبناء المحكم كل أولئك لن يسمحوا بتسلل هذا الزيف وسيطرته على حياة الناس ، لكن بين النعم واللا نكران متعمد للحقيقة الغائبة والدوافع ، ومن ذلك يبدو الدين أكثر سلعة وغطاءا يمد هؤلاء بدواعي التضليل والخديعة وإيهام الناس ، حتى قيل عنه كهانة وسحر ، فمثلا حين تفسر فكرة المهدي على غير معناها الطبيعي ، يكثر الدجل فيها ويكثر القيل والقال وتزحف إلى عقول السذج أخبار وروايات ما أنزل الله بها ، ولا يجب الخلط بين الموضوعة الحقة وبين الترويج للضلال عبر الخداع والكذب ، وثمة خيط رفيع بين هذا وذاك ولهذا غرد المخادعون عن وظائف هنا ووظائف هناك تسبق و تكون مع الظهور ، وفي طريق الخديعة رسم الوضاعون اخبارا ضمن مقاسات بعض العقول البالية ، على ظن منهم فاسد بان ذلك يرفع الحرج حين التدافع ، فقالوا بالخلفاء المهديين الممهدين قبل خروج المهدي في الضبط والإيقاع ، ويكون ذلك حين تكون مساحة الفراغ اعمق ، والفراغ الفكري والذهني والعلمي أوسع ، وهكذا تمدد هذا الوهم وزحف حتى يكون هو الحقيقة البديلة ، لدى فئة من الموهومين ممن تبرز عندهم وتستهويهم الخرافات والهوس المجنون المخالف لكل طبيعة ومنطق وعقل ودين ، وهذا بحسب مؤشر الوعي دلالة أكيدة على ذلك الخلل في الثقافي والفكري وفي فهم المعلومة وقراءتها بشكل دقيق ، ولا أظن إن هذا السلوك الذي يذهب إليه مثل هذه الفئة من البشر تحكمه قواعد منطقية عامة وقع التوافق عليها داخل المجتمع كل المجتمع ، وسواء أكانت هذه القواعد ذات طبيعة دينية أو مدنية ، لكن الالتزام بهذه القواعد يرتبط بمستوى الوعي السائد .
مناسبة هذا المقال تأتي في كلامنا الطويل العريض عن رجال دين مزيفين ، ترآهم كل يوم في واد يهيمون ، مُدعياً إنهم خلفاء المهدي المنتظر أو المُمهدين له ، والحكاية لا تتعدى في محتواها رغبة جامحة لدى البعض في تسجيل نفسه بالخريطة هذا إن أحسنا الظن بهم ، ولكن هؤلاء المُغرر بهم لا يدريون إنه بذلك إنما يسيئون للإمام المهدي من حيث يعلم ويسيئون لدعوته ، فالتمهيد للمهدي هي فلسفة اختبار للنوايا والصدق والخير والصلاح ولازم ذلك جملة إجراءات وعمل سياسي وثقافي واجتماعي غير مسبوق ، ذلك إن التمهيد ليست صيحة في فضاء بل لها شروط موضوعية دقيقة وواضحة ، وهي لا تقوم ولا تعتمد على مقدمات باطلة ، كما ان الأخبار التي دلت عليها تنقصها الوثاقة والصحة ولا نجد فيما تحدث عن ذلك يدخل في هذا الحيز ، والتمهيد ليست رغبة أو تصيد في المياه العكرة والأشخاص المُدعين لذلك مجهولي الحال ولا يصلحون لمهمات ثقال وكبيرة ، ناهيك عن الجدل حول قيامة المهدي والتي لا تلثم من يحاجج فيها بأخبار القوم وهم لها منكرون ، والواجب يقتضي ان يأتينا صاحب كل دعوة بأخبار وحجج موثقة داعمة وبراهين بل وخوارق لا تقبل القسمة ، ( هذا لمن ألقى السمع وهو شهيد ) ، فما بالك بمن ينازل القوم وهو خالي الوفاض ، وليس بيده غير حكايات جدتي التي سئم الناس منها فالأمر ياهؤلاء يحتاج إلى مظنة غير التي تدعونها ، فشمروا عن ذراعكم وأتحفونا ولا تحتجوا بالواهن والضعيف والركيك والفاسد ، وأنظروا لمن حولكم من الضاربين على الدف تجدون عجباً عجابا ، وسأسمح لنفسي ( أنا المؤمن بالمهدوية حتى النخاع ) ، أن أوافقكم على دعواكم على ملل وحيرة وأسفا على ما آلت إليه حالنا من تردي ونكبات ، هذا الإيمان عندي يدفعنا لحوار جدي ليس في دعواكم هذه فحسب لأنها مفسدة ، ولكن نحتاج إلى حوار معرفي في كتاب الله حوارا يعتمد العقل ويستأنس بما صح من أخبار ومقولات من السلف الصالح ، وهذه الدعوة أطلقها بعد فشل مشروع الإسلام السياسة ، وهي دعوة عامة لكل من يخوض في علم الغيب ويتعملق وهو لا يملك رصيد ساعته ، وفي هذه الدعوة يجب ان نلتزم بسحق كل الكنى والألقاب ، ونفر إلى الله عسى ان يهدينا ويخلصنا من آفات المدعين ممن لبسوا ثوب الطهر من غير غسل .
نريد أيها الناس أن نقف على أرض صلبة مستمسكين بالعروة الوثقى ، ولندع دعوى الزور والكذب والعجرفة والرياء ، ولنذهب معا وسويا إلى الكلمة السواء ، فهي الملاذ في عالم لا يرحم ، عالم يعتمد العلم وأدواته لا الخرافة والدجل وقلة الحيلة ، لقد فات الأوان وذهبت ريح من أراد بنا وبأهلنا وبلدنا سوء ، إنه العصر الجديد الذي نأمل ان تتحقق فيه الآمال والأماني ، ذلك رجائنا في الدنيا بعد أن ننهي من الخارطة كل حلس نجس ، وتعود أرضنا تخضر من جديد ..