قطعت الليبرالية الديمقراطية اشواطاً في حياة الشعوب والأمم الأخرى ، ولكنها عندنا في العراق لازالت في بدايتها أو لنقل لازالت تعيش دور الولادة الجديدة ، من خلال - الحزب الليبرالي الديمقراطي العراقي -
الذي من خلاله يمكن إلقاء نظرة على تاريخ - الليبرالية الديمقراطية – لكي يعرف الجيل الجديد الغاية التي من إجلها وجدت الليبرالية الديمقراطية وحزبها في العراق ، ولكي يُحاكموا ثقافتها وفكرها وقيمها بأنفسهم ويروا : هل إنها سائرة في الطريق الصحيح وفي الهدف الصحيح ؟ وإلى أي حد تُمثل فكر الواقع ومشاعر وأحلام الناس ؟ وهل أضطرتها الحوادث والظروف القاهرة كي تغير من قيمها وفكرها وثقافتها الأساسية ؟
نستطيع القول إن الغاية التي أنبعثت في روح المتقدمين لحمل رسالة الليبرالية الديمقراطية ، كانت ترمي لخلق واقع جديد وشيء مُختلف كبير وأصيل ، في حياة الشعب العراقي والأمة العراقية ، يظهر ذلك في الطموح الذي دخل النفوس من أجل تصحيح ثقافة الشعب وحياته الإجتماعية ووضعه السياسي والإقتصادي ، والعمل للحد من النزعات الفئوية والفتن الطائفية التي أنتابت حياة الأمة العراقية بعد التحرير .
كان ثمة شعور غامض طرأ على كل المكون العراقي ، من خلال جملة المتاعب والمحن التي صدرتها منظمات واحزاب ودول ، ولكي تتجاوز الأمة ذلك يلزمها التعرف على مسببات ذلك كله وهل هو شعور داخلي أم هو شعور وافد ؟ وحين يتم ذلك يمكن للعراق الخروج من الوضع الذي جُعل فيه ، ويمكنه كذلك تحديد ملامح شخصيته الجديدة وصورته الجديدة ، وهي الشخصية التي يمكنها رسم خارطة طريق لمن حوله من دول مجاورة وشعوب مضطهدة .
إن خيار الليبرالية الديمقراطية خيار صحيح فيما لو أُعتمد كنهج للتغيير السياسي والإجتماعي والثقافي والفكري ، وهو خيار صحيح فيما لو تم تبنيه لرسم شخصية وصورة الإنسان الجديد ، والإعتماد على ذلك الخيار يعني ان الأمة أو أية أمة أخلصت لنفسها ولتاريخها ولمستقبلها ، وأخلصت في فهم معوقات وكوابح عملها وحركتها ، وأخلصت كذلك في فهم مشاكلها وظروفها ، لأستطاعت تلمس طريقها لأنها بهذا الإخلاص ، وبهذا الجد ، وبهذا الشعور ، وبهذه الصراحة والشفافية : تصل إلى حلول ليس لها فحسب بل لمن حولها من شعوب وأمم بل وللإنسان حيثما كان .
فالشعور بالقيم ليس ضرباً من الخيال ، بل هو تجسيد لحركة الواقع ولحياة الشعوب والأمم ، وان كل أمة تستطيع ان تُمثل - الليبرالية الديمقراطية - حين تخلص لنفسها ولواقعها .
وإننا على يقين ومع مرور الايام سيتسع نطاق وفعل وحركة الليبرالية الديمقراطية ، وستعزز وجودها في خلق واقع حضاري متقدم كانت تطمح وتحلم وتكافح من أجله ، نقول هذا حين يتم تحريك الفكر الليبرالي من صيغته النظرية إلى صيغته العملية ، أي حين يتم تحريكه ليتفاعل مع كل الواقع ومشاكله ، وحينها تشعر الليبرالية الديمقراطية إنها قد تجاوزت التنظير لتدخل حياة الناس البسطاء تشاركهم الألم والأمل ، وفي هذا تكون قد تحركت ولم تتنازل ولم تخل بتكوينها الفكري والنظري والفرق في ذلك واضح .
وفي هذا أيضاً سيجد الليبرالي نفسه في مواجهة الواقع ، ولأن الليبرالي مُتسلح بالفكر والنضوج والإيمان بقيم الشعب ومصالحه ، ومؤمن كذلك بان ما يحيطه من مصاعب وآلام إنما هو حالة طبيعية للواقع الذي كان أي إنه معلوم عنده مسبقاً .
فالليبرالي حين ينزل إلى معترك الصراع وإلى صميم الواقع ، يُراوده شعور يقول : هل بالإمكان تغيير كل ذلك الفساد والترهل واللامسؤولية ؟ أم إن ذلك الواقع الفاسد سيغيره أي سيغير الليبرالي نفسه ؟
ونقول : إذا ما أحتفظ الليبرالي بثقته وبإيمانه وبصدقه فان ذلك كفيل بحل مجمل ما يعترضه من مشاكل وإشكاليات ، بل إن الثقافة والفكر الليبرالي يؤهلان المرء للتغلب على أقسى المتاعب وأشدها فتكاً .
ومن الطبيعي إن أية حركة في الحياة مهما تكن صادقة وقوية ، لن تستطيع تغيير أي شيئ في الواقع حين تكون بعيدة عنه ولا تدخله ، ولاتصبح جزءاً منه ، فالتأثير في الواقع أو الوسط الذي هي فيه لا يتم إلاّ من خلال التماس به والتفاعل معه - إن الله لا يغيروا ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم - فلكي تغير الوسط الذي أنت فيه يجب ان تدخل فيه ، وان يكون بينك وبين ذلك الوسط صلة وتماس مباشرين ، ويجب ان لا تظل حركة الليبرالية الديمقراطية حركة وعظ وارشاد ، وحين تكون كذلك لا يُرجى منها شيء ، فالتفاعل مع الواقع بما هو يخلق في الروح القوة على الخلق والإبداع ، وحين نقول ذلك إنما نريد منه أو به : لكي تنتقل الفكرة من التجريد والتنظير إلى الواقع والعمل الذي يلزمه دفع الكثير من الجهد والطاقة وأشياء أخرى .
ونحن يجب ان لاننظر للحياة من خلال الكتب والمجلات وما تقدمه لنا الفنون والآداب ، فالحياة ليس هذا وحسب بل إن في الحياة ثمة أشياء أخرى مسكوت عنها ، ونحن نؤمن : ان ليس في الحياة شيئاً مطلقاً ، يدفعنا ذلك القول للإيمان بحتمية التغير والبناء ، ولو كانت الحياة مطلقة لماتت .
في التجربة العملية هناك ماهو مطلوب النظر فيه ، وهناك مايحتاج منا للصراع من أجله على ان يكون صراعاً إيجابياً ، وفي ذلك كله إنما نُشير إلى طبيعة التحول والتغير السنني في الكون والذي هو مظهر من مظاهر الحياة .
إن الليبرالي يلزمه حين يدخل الواقع ويتفاعل معه ان يظهر الكثير من الليونة والشجاعة والحسم ، وفي ذلك إنما هو يتحرك لتحقيق جوهر الفكرة التي يناضل من اجلها ، فتحقيق الجوهري من الأشياء مطلوب في ذاته ، وفي ذلك ليس تخلياً أو تنازلاً بل إيماناً بمبدأ التحول الطبيعي ، فإبقاء ماكان على ماكان هو تشبث بالرفض السلبي للتطور ، وهو يشبه حال الرجل العجوز حين تفوته الحياة فيندب حظه لما لم يستطع تحقيقه ..
إن وصف حال الواقع وحال العمل ومراحله هو الممكن القادر على تذليل الصعاب ، وهو القادر كذلك على المبادرة في خلق الحالة الجديدة الغير مسبوقة ، ونقول : إن رفض التطور في الحياة وفي الفكر وفي الواقع السياسي والإجتماعي والثقافي والإقتصادي هو رفض لفكرة الأمل في الحياة وفي الوجود ، أي الأمل في تصحيح وتغيير الواقع الفاسد ليكون أكثر ملائمة للحياة وإشراقاً ..
مركز الدراسات والبحوث في
الحزب الليبرالي الديمقراطي العراقي
11 – 03 - 09