هل سمعت عن شخص يبيع الهواء في هذا الزمن؟
هل سمعت عن حزب سياسي يطرح وعودا، وهو يدرك أنه لا يستطيع الوفاء بها؟
هل سمعت عن حزب سياسي يطلق الوعود بالعدالة الاجتماعية والاقتصادية، وليس لديه برامج واقعية في هذا المجال؟
هل سمعت عن حزب سياسي يطلق وعودا للإصلاح البرلماني والتمسك بالديمقراطية ودورية الانتخابات، وهو أساسا لا يؤمن بها؟
هل سمعت عن حزب سياسي يدعو لإطلاق الحريات السياسية والفردية، وهو أيضا لا يؤمن إلا بالاستعباد والسيطرة، وفرض الديكتاتورية الحزبية؟
هل سمعت عن حزب يعطي الوعود بحقوق المرأة، وحقها في المشاركة الاجتماعية والسياسية، وهو أساسا لا يعتبرها إلا وعاء حافظ للميراث، وأداة للمتعة؟
هل سمعت عن حزب يعلن أنه مع دولة مدنية وحقوق المواطنين بغض النظر عن اللون والدين والجنس، وهو في جميع أدبياته لا يؤمن بالمساواة القانونية للمواطنين؟
إن حزبا يطلق الوعود السياسية والاجتماعية للجماهير وهو يدرك أنه لا يستطيع الوفاء بها، هو بمثابة بيع الهواء للجماهير الغفيرة من الشعب. انه خداع للجماهير بكل معنى الكلمة.
إن حزب الحرية والعدالة المتولد من عباءة الإخوان، وحزب النور السلفي بوصفهم أحزابا للإسلام السياسي هم من باعوا الهواء لجماهير الشعب التي أعطت أصواتها لهم.
ولكن لماذا لا تستطيع أحزاب الإسلام السياسي أن تكون صادقة في اطروحاتها، وأن تسير مسارا تنمويا حقيقيا يخدم الوطن والمواطن؟ ذلك لأن الإسلام السياسي ينطلق من نصوص أيديولوجية لا تتناسب وروح العصر اجتماعيا واقتصاديا وفكريا !!!
كيف أن اطروحات الاسلام السياسي لا تتناسب وروح العصر؟
فمسمى الحرية التي ألصقها باسم الحزب بعيد عن الإيمانات النَصيّة والتصريحات الصادرة عن ممثلي الحزب بالنسبة للمواطن والمرأة ودوها الاجتماعي والسياسي.
كذلك مسمى العدالة، فالعدالة تعني العدالة الاجتماعية والمساواة، وعدم التفريق بين المواطنين على أساس الدين أو الجنس وتكافؤ الفرص، بينما نرى أن النصوص الدينية تتناقض وهذا الفهم.
وكذلك فعل السلفيون الذين ظهروا تحت مسمى حزب ” النور “. فالنور يعني المعرفة والعلم، في حين نرى أن حزب النور أصولي النزعة والتوجه، ويعلن معاداته لكل مظاهر الحضارة، وعلميا يرفض الكثير من النظريات العلمية في الفلك والجيولوجيا والبيولوجيا والاقتصاد.
لم يطرح أي من أحزاب الاسلام السياسي أي خطة أو برنامج تنموي اقتصادي أو اجتماعي. إن اطروحاته شكلية وذات مسميات أخلاقية ليس لها مردود تنموي أو اقتصادي.
فنسأل ما هو رأي أحزاب الاسلام السياسي في التنمية الاقتصادية وكيفية القضاء على التضخم المالي والبطالة والفقر؟
انهم لا يؤمنون بأي مشروع تأميمي، ولا بمؤسسات شعبية تسيطر على العمل وتتعاون فيما بينها لتُكوِن منظومة اقتصادية تعاونية على مستوى الوطن، وتضع تحت يدها المنتوج الوطني وادارته لصالح الوطن والمواطن.
إن نقديات الاسلام السياسي لنظام الحكم ما قبل الثورة كانت شكلية وتدور حول الفن والممثلين والمرأة، وذات مسميات أخلاقية، ولا تمت للتنمية بصلة.
لا تؤمن أحزاب الاسلام السياسي بالتخطيط الاقتصادي الذي يتناسب من مستوى القوي المنتجة المادية والبشرية.
لا تؤمن أحزاب الاسلام السياسي بتكافؤ العلاقات الاقتصادية مع الخارج على أساس المصلحة المشتركة، وليس الخوف والخضوع.
ان وعود الاسلام السياسي تعتمد على سذاجة وجهل الناخب، أكثر منها على الوعي، على وهمية الناخب أكثر منها على واقعيته. وكانت الدعاية تتركز على فساد رجالات الحكم السابق، مقابل الوعد بأن ممثلي التوجهات الدينية سيكونوا صادقين، ولن يصبحوا قططا سمان.
إن الوعود كانت تُربط دائما بالمقدس والتجلبب بالوقار والنقاء الأخلاقي. والقول ان الثقة بالله كبيرة، ووعده للمؤمنين صادق، وانتم المؤمنين، وصوتكم أمانة، والجنة في انتظاركم، ونحن نعدكم بجنة في الأرض، وهذا منوط بالتصويت لنا، نحن الصادقون، نحن التقاة، نحن مع الله.
وانطلاقا من هذا ذهبت جماهير الريف المسحوقة التي لم تذق طعم الحرية وتتضور جوعا، ولم تنل قسطا من التعليم يؤهلها لصحة الاختيار، واختارت ممثلو الاسلام السياسي مقابل الأمل بصك غفران جماعي.
والآن، ماذا نرى بعد صعود الاسلام السياسي لرأس السلطة في مصر؟ نرى أن البلاد تسير من سيء الى اسوء، والمؤشرات الاقتصادية تنبئ بالغرق في الديون والافلاس. وهذا ما دفع قطر أداة أمريكا في المنطقة وحليفة الاخوان الى دفع ثلاثة مليار دولار لإبعاد شبح الافلاس الاقتصادي والسياسي والاداري عن حكم الاخوان والسلفيين.
لقد فات أحزاب الاسلام السياسي أن جهاز الدولة الذي كانوا يحلمون به ليس هو الجهاز الذي نشأ بعد الثورة، فبعد الثورة زال عنصر الخوف من أجهزة السلطة القهرية، وأحست الجماهير بقوتها وقدرتها على الوقوف في وجه ارهاب الحكم. وكل شيء أصبح على المكشوف، وكل الوعود ستكون على محك الاختبار، والشعب في الانتظار، ولن تخدعه صكوك الغفران، ولن يبقَ يعيش حالة الوهم، ولن يسمح لأحد أن يبيعه الهواء !!!
إن الربيع العربي كشف أن الجماهير العربية مثل باقي الشعوب بحاجة الى الحرية، بحاجة الى الديمقراطية، بحاجة الى المنهاج التنموي الاجتماعي والاقتصادي، وليس الى الوهم، والى تسويق الهواء مغلفا بالميراث المقدس.
إن هواء الله ليس له ثمن، فهو متاح للجميع، وهو حق للجميع، ولكن أن تبيع هواء الله ووعوده للناس، فهو بمثابة بيع صكوك الغفران للجماهير المقهورة من فساد وظلم الحكم السابق، فهواء الله ووعوده لا تباع ولا تشترى، وليس من حق شخص أو حزب ان يُسّوِق وعود الله للبشر. فيجب فصل وعود الله للمؤمنين بالجنة والأمل بالنجاة من النار عن وعود الإسلام السياسي الدنيوية التي هي أقرب الى الوهم باعترافهم أنهم لا يملكون أي مشروع تطويري، حيث صرح خيرت الشاطر نائب الرشد العام للإخوان أن ليس لديهم برنامج واضح ومحدد لمشروع النهضة.