تدور حرب ضروس بين الدولة المصرية وبين الأزهر حول ما يسمى “تجديد الخطاب الديني” حرب وصلت إلى مرحلة تكسير العظام بين الطرفين، يستخدم فيها كل طرف كل ما لديه من أسلحة تشريعية وقانونية وإعلامية، معركة أضافت استقطاب جديد إلى استقطابات المجتمع المصري منذ يناير 2011، بعد أن انحاز جزء للدولة الساعية لتجديد الخطاب الديني وتقليم أظافر الأزهر، والمنحازين إلى الأزهر باعتبارة الممثل الشرعي والوحيد للاسلام السني في مصر.
وهذه المعركة كما غيرها من المعارك في المجتمع المصري تؤكد على الاستمرار في تهميش الانسان المصري والاصرار على تأصيل فكرة القطيع الذي لابد أن يسير خلف رجل دين، يتبع ما يقول من أراء وفتاوى، فلا يدخل الحمام حتى يستفتي، ولا يمارس الجنس حتى يستفتي، ولا يستثمر أمواله حتى يستفتي. وهذه المعركة الدائرة في جوهرها هى معركة على قيادة القطيع الديني، وليس تحرير لهذا القطيع من سلطة رجال الدين واطلاق حرية التفكير لهم، وحرية ممارسة الشعائر بالطريقة التى توافق قناعتهم دون حاجة إلى اتباع رجال دين يضعوا شكلاً محدداً للدين وعلى الجميع الاتباع دون جدل او مناقشة، فضلا عن أن يمتلكوا حرية رفض الممارسة الدينية بشكلها الحالي.
ولهذا فهذه معركة لن تفيد المجتمع المصري في شيء سواء كان المنتصر فيها الدولة أو الأزهر، فالمنتصر سيصبح قائد القطيع، ولكن سيظل القطيع قطيع.
لذا فإن الاصلاح الديني الحقيقي الذي يفيد المجتمع ويأخذه في طريق التنوير والحداثة، هو الإصلاح الديني الذي يقوم به كل منا بنفسه لنفسه، دون انتظار لرجال دين ينقلون القطيع من قالب إلى قالب أخر يعتقدون أنه أكثر ملائمة للعصر، غير مدركين أن لا إصلاح ولا تنوير ولا حداثة بدون التخلص من القالب أى كان شكله أو لونه.
على كل منا أن يكون رؤيته الدينية الخاصة، أن يقرأ الدين من نصوصه الأصلية ولا يعتمد على الثقافة السمعية المتوارثة، وعليه أن يحدد ما يوافق ظروفه وقناعاته وبيئته فيتبناه، وما لا يتوافق مع عقله وشخصيته ومجتمعه فيطرحه. ببساطة أن يكون الإنسان هو رجل دين نفسه، يفتي لنفسه، ويبني منظومته الدينية بنفسه، فهو إنسان مسؤول عن نفسه أمام الله، وسيحاسب باعتباره فرد وليس جماعة أو تابع لجماعة، كما يؤكد هذا القرآن “وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا” و “وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا” وأيضا “وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ” هذه آيات قرآنية قطعية الثبوت والدلالة تؤكد أن كل إنسان سيحاسب وحدة ولن يحاسب أحد معه أو بالنيابة عنه وأيضا لن يحاسب هو بدلا من أحد أخر، فالإنسان البالغ العاقل هو المسؤول وحده عن أفعاله في الدنيا والأخرة، أمام القانون في الدنيا وأمام الله في الأخرة، وهو أيضا ليس مسؤول عن أفعال الآخرين.
وبهذا يصبح المثل القائل ” علقها في رقبة عالم واطلع سالم” غير صحيح ولا يمكن التعويل عليه، فلا يعتقد أحد أن مجرد إتباعه لهذا الشيخ أو ذاك هو طريق النجاة يوم القيامة، طريق النجاة هو أن تعمل عقلك وتختار لنفسك، كما قال النبي “استفتي قلبك ولو أفتاك الناس وأفتوك” ويكون دليلك في ذلك مقاصد الشريعة والمثل الدينية العليا، التي عبر عنها الحديث “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”.
فعقيدة كل إنسان لنفسه وهو وحده المسؤول عنها أمام الله، لذلك فليس لأحد أن يحدد له ما يصح وما لا يصح وما يجوز وما لا يجوز، فلكل إنسان عقله وهو مناط تكليفه، فإن اجتهد وأخطأ فله أجر، وإن أصاب فله أجران.