دعونا نسأل ببراءة مالحكمة من إعادة نبش التاريخ المظلم ؟ ، وما الحكمة من التركيز على شخصية كانت سيئة بأمتياز في كل أعمالها ؟ ، ومقدماً أرجوا من القراء المحترمين أن لا يجدو في كلامي هذا تحاملا أو ضغينة مسبقة ، وإنما أنا ذلك الإنسان الذي يبغي لناسه وأهله الخير والهدوء والأمان ، ولذلك أنا من الناصحين لمن بأيديهم سلطة الإعلام والتلفزيون ، أريد منهم أن لا يعيدو الناس أشتاتاً متفرقين طوائف وملل يتقاذفون الشتائم والسباب والتهم ، أريد منهم أن يوجهوا الإعلام لما ينفع الناس في حاضرهم ومستقبلهم ، ويتركوا الماضي بما فيه من عقد وألم ، فقد تعبنا من القيل والقال من أصحاب الهوى والمنافع ومثيري الضغائن والفتن .
ثم إن معاوية ليس تلك الشخصية الرائدة التي تستحق الثناء والإشادة والمدح ، ولا هو ذلك القائد التاريخي الفذ الذي صنع الأمجاد للعرب والمسلمين ، إنما هو ذلك الشخص المريض المعبء بكل عقد التاريخ و الحياة والأيام ، وقد حمل هذا في حياته نفاقا وغدرا وتوارثه وورثه لمن تبعه جيلاً فجيلا ، وإن قلنا إنه هو ذلك الرجس المنكوس لا نجافي الحقيقة والواقع ، بل إنه ذلك الشخص الذي مرد على النفاق مع كثير من أمثاله ممن لا نعتز بهم ولا نفاخر ، وأقولها : إن معاوية لم يؤمن يوماً برسالة السماء ولا برسول الله ، وليس في صفاته ما يُمكن الذكر الحميد بل أن كل صفاته كانت سيئة قبيحة كما يحدثنا عن ذلك تاريخ المسلمين ، وهو الذي كان يخلط في القول والفعل ، وكانت سنوات حكمه هي أسوء سنوات مرت على الجماعة الإسلامية على طول تأريخها .
ومعاوية شخص مخاتل يغدر ويفجر وهذه من صفاته ، ولهذا تجمع حوله ومعه شذاذ الآفاق ونبذة الكتاب والحق ، وهو لم يعمل ولو لمرة واحدة في حياته عملاً صالحاً يرفع فيه كلمة الحق ويجعلها العليا ، بل إنه هو من بدل و غير نظام الحكم والحياة لدى المسلمين ، ولهذا كانت معاهداته الذليلة مع البيزنطينين والروم وصمات عار تقبح وجه التاريخ ، وهي خير شاهد على نفاق الرجل وجبنه وعدم إيمانه وإنه لا يستحق حتى الذكر مطلقاً .
من هنا تأتي صرختنا بوجه أدعياء الفن ، ونقول لهم : لا تفعلوا ما يسيء لجماعة المسلمين ووحدتهم ، و لا تقدموا عملاً ليس فيه فائدة أو أو عمل نقتدي بها ، بقدر ما يساهم ظهوره في نبش هذا التاريخ المظلم بكل عوراته ، والذي كان سبباً مباشراً في زيادة الإرهاب والعنف والكراهية والفتن بين مذاهب المسلمين وطوائفهم .
أقول هذا من وحي فعله السيء الذي سود وجه تاريخ المسلمين بمهادنته الذليلة للبيزنطينين ولأمبراطورهم قنسطانز ووريثه قسطنطين الرابع ، وهذا ما أجمع عليه مؤرخي العرب والغرب ، من أبن سلام والبلاذري وابن الطقطقي والشيباني و المسعودي والنويري وأبن قتيبه والدينوري وأبن كثير والطبري ، كل هؤلاء قالوا إن معاوية تنازل صاغرا للبيزنطينين وقدم لهم المال والحلل ، وأُرغم إطلاق سراح أسرآهم .
قال ابن كثير : أن ملك الروم قد طمع في معاوية بعد أن كان يخشاه ، فزحف عليه بجيش كبير وأرغم معاوية لطلب الهدنة ، وهكذا قال خليفة بن خياط و اليعقوبي الذي أضاف : بأن معاوية بن أبي سفيان صالح ملك الروم على ان يدفع لملكهم مائة ألف دينار ، وأن معاوية هو من بادر بطلب الهدنة من الإمبراطور البيزنطي و قدم له وللبيزنطيين مائة ألف دينار .
وهكذا أشار المؤرخ ثيوفانيس على تعهد معاوية بدفع إتاوة سنوية للبيزنطيين هي عبارة عن ثلاثة آلاف دينار وخمسين حصانا أصيلا ، كما تعهد بإطلاق سراح خمسين أسيرا من البيزنطيين ، واتفق معه على أن تكون مدة الهدنة ثلاثين عاما .
قال موناخوس : أن العرب تعهدوا بتقديم مائة من الخيول الأصيلة كل عام .
هذا هو معاوية الذي كان شاهراً سيفه ومؤلباً العرب والمسلمين على بعضهم ، وهو من تجرأ على نكاية الجروح والتصدي لحق ليس له من كل باب ، من هنا نقولها : لا تنشروا بين الناس هذا الزيف ولا ترجعوا بنا القهقرى ، فلم تندمل بعد جراحات داعش ولم تسوى حقوق الإيزيدين الذين أضهدهم ذلك الفكر نفسه الذي قاد فتنة صفين والنهروان والجمل والتحكيم ومقتلة كربلاء ، دعوا الفتنة ولعن الله من أيقظها ..