في البداية أقدم خالص العزاء لعشيرته وأهله ومحبيه بفقدان هذه القامة العراقية الوطنية الأصيلة والنزيهه ، فاليوم ودع العراق وودعت الأمة العربية والإسلامية هذا الرمز العراقي الخالص النقاء الطاهر السريرة وهو يترجل عن جواده في رحلت العروج الأبدي ، بعد سنيين وأيام قضاها في العمل والجد والمثابرة والكفاح والجهاد المرير ، لقد كان الراحل الكبير نعم الأخ لنا ونعم الصديق ونعم الناصح الأمين للجميع .
لقد حرص الراحل الكبير طوال حياته ان يسود في بلاد الرافدين العدل والسلام والحرية والمساواة ، وقد قرن هذا الحرص بالعمل على ذلك ، وفي سبيله ومن اجله تحمل الكثير من العنت و المعانات والألم والفراق والسجون ، وفي ظل هذا لم يهدأ له بال وهو يذكر الجميع بما كان يتحمله العراق من ألم ومعانات وما يزال ، عبر خطابات وكتب ومراسيل يبثها هنا وهناك ، وكان رحمه الله في كل مرة وحين تسمح له الظروف بذلك ، ينقل هذه المعانات وهذا الألم لمن يهمهم الأمر في أطراف هذا العالم الكبير ، وكان له حوارات متعددة في ذلك مع أطراف متنوعة عراقية وعربية وعالمية كان يجريها بالسر والعلن .
وإننا إذ نذكر بهذا في هذا اليوم من رحلته المباركة نحو الملكوت ، إنما نذكر أنفسنا أولاً بما يجب أن نعمل عليه من أجل أحقاق الحقوق ونصرة المظلومين والدفاع عن حقوق المضطهدين ، فتلك وصية أوصانا بها فرادى ومجتمعين ، وقال بالحرف أن الحقوق لا تأتي بالتمنيات والأماني وإنما تؤخذ بالكفاح والجهاد والمثابرة والعمل الدؤوب وتلك هي سنة الحياة وناموسها ، وهكذا تعلمنا منه كيف يكون العمل نزيهاً ؟ وكيف يكون الصبر عظيماً في وقت الشدائد والملمات والمحن ؟ ، نعم تعلمنا منه صدق الحديث ، والوفاء بالعهد ، والوقوف بوجه الظالم مهما تجبر أو تكبر ، ولنا في سيرته مثلا ودليلا ، وحسبنا تلك الأيام والسنوات التي كان يعمل فيها جاهداً لكي تتحق تلك المثل والقيم العليا .
و نحن في يوم رحلته نحو العالم الأبدي ، لم ننسى أبداً تلك العيون الطاهرة والشفاه النبيلة وهي تحثنا الخطى أن نكون دائماً وأبداً المثال والقدوة في الدفاع عن الحقوق والوقوف بوجه كل ريح فاسدة طائفية كانت أو عنصرية ، والله يشهد أن تلك مسؤولية كبيرة وعهدة عظيمة أعاننا الله على تحملها ، ونقول إن القدر وحكمة الأيام ستجعل من كلماته بعون الله نبراساً لنا ، ودرساً نستظل بظلاله في هذا الزمن الذي غدى فيه كل شيء مختلف حتى المفاهيم البسيطة والقيم الدارجة ، فإلى روحه الطاهرة الرحمة والرضوان ، وإلى كل أهله وعشيرته ووطنه الصبر والسلوان ..
( وإنا لله وإنا إليه راجعون )
راغب الركابي