على مر عقود وعقود حكمت الطبقة السياسية بنسبة 90% منها كانت فاسدة ونهبت اموال الشعب اللبناني، وهؤلاء يطلق عليهم اسم الفاسدين ونحن طوال 32 سنة في «الديار» عارضنا بكل طاقتنا الفاسدين ولم نكن نحظى الا بالقضاء الذي كان مسيراً.
كان الفاسدون يحتكمون الى شعار «قل ما تريد ونحن نصرخ ما نريد». وبالفعل خسر لبنان اكثر من 500 مليار دولار طوال عقود، اي حوالى 35 سنة تقريباً من نموه الاقتصادي ومن ثروته الوطنية حتى وصلنا الى اليوم. ولبنان على شفير انهيار اقتصادي وعلى شفير افلاس تفتش فيه الحكومة عن إلقاء المسؤولية على مصرف لبنان والمصارف ويطلق الفاسدون السياسيون بـ40% كلمة مندسين ومرتزقة ومخططات تآمرية على المظاهرات، الثورة التي شابها اعمال وأخطاء غير مقبولة مثلما حصل اول من امس في منطقة اللعازارية في بيروت وفي مناطق كثيرة كلهم ضد الفساد سرقوا الشعارات الوطنية ويستعملونها في خطاباتهم، وهم بعيدون عن الوطنية وعن الجدية والنزاهة، والدليل على ذلك ان النائب العام المالي المدعي العام الرئيس علي ابراهيم لديه مئات الملفات عن الفساد، لكن لم نر حتى الآن موقوفاً واحداً. وبالنسبة الى السياسيين، اما احجامهم كبيرة لا يمكن محاكمتهم وإما احجامهم عادية يتسترون وراء الحصانة النيابية والحصانة الوزارية او يهددون عندما جاءت المحاكمة اليهم بإثارة النعرات المذهبية والطائفية. واما الآخرون الضعفاء فيختبئون خلف حصانتهم النيابية والوزارية او يلجأون الى مرجعيات يوالونها وتقوم بحمايتهم.
منذ اربعة سنوات الا 4 اشهر، اي في بداية عهد الرئيس ميشال عون، كان الوضع الى حد ما مقبولاً وكان الدولار ثابتا على قيمته، وحصل لبنان في مؤتمر «سيدر1» على 11 مليار دولار مساعدات مقابل اجراء الاصلاحات، لكن الاصلاحات لم تحصل. وبعد التفتيش لحل الازمة الاقتصادية والمالية، اعلن انه يجب ابتعاد السياسة عن مجلس الوزراء والاتيان بحكومة خبراء اقتصاديين، لكن حصل العكس حيث جاؤوا بحكومة خبراء، بيد أنها كانت حكومة محاصصة بين السياسيين والاحزاب والمراجع، هذا الفقير التي تظاهر في طرابلس والذي لا يطلب الا سد جوعه وجوع عائلته وأولاده وليس امامه الا التظاهر، وسقط منهم 27 جريحاً ومن الجيش اللبناني البطل اربعة جرحى مع ان تصرف الجيش اللبناني كان حكيماً، الا ان ثورة الجياع باعتبارها مؤامرة، كما يقول السياسيون، المؤامرة هي وجود الطبقة السياسية الفاسدة، المؤامرة هي سرقة اموال الشعب اللبناني طوال 30 سنة، هم في قصورهم يعيشون هم لا يعرفون لا اسعار المواد ولا الادوية ولا شيء ولا الطبابة، ولا يسألون عن شعبهم اللبناني بل يسألون كم اصبحت ثرواتهم الخارجية.
بدأنا نشهد عشرات المظاهرات، والاحساس الوطني اللبناني الذي اندلع في صفوف الشعب هو لم نعد نريد ان يبقوا في منازلهم ساكتين صامتين عن سرقة اموالهم ويطالبون بتحسين اوضاع الفقير غير القادر على شراء المواد الغذائية لعائلته، فيما هو يرى كيف بنى السياسيون قصورهم واشتروا الاراضي والعقارات ونالوا عليها دعماً من الاسكان مع انهم ليسوا بحاجة ابدا الى هذا الدعم، بل العكس عليهم ضرائب كثيرة وما ادراك بمرض التهرب الضريبي في لبنان.
منذ اربع سنوات الا اربعة اشهر كان العماد ميشال عون يطالب بالاصلاح والتغيير، فأين هو الاصلاح؟ واين هو التغيير؟ حتى انه انشأ وزارة للفساد لمكافحة الفساد فما الذي حصل؟ وزير الفساد اعلن انه هناك اكثر من مئة ملف من الفساد، لكن لا احد يمكن ملاحقتهم لانهم يستندون الى مراجع يوالونها وتحميهم.
متى تقف الدولة حيث المؤسسات تفعل بصورة سليمة ودون تلزيم بالتراضي وبشفافية كاملة بدل ان نبقى بدولة المزارع حيث لكل جهة مزرعتها السياسية وجمهورها السياسي والدولة منقسمة؟ ورغم الانتخابات النيابية لم تنفع تشكيل حكومة وطنية. لو تألفت على قاعدة الوحدة الوطنية لما وصلنا الى هنا، الوقت اصبح قصيراً امام الرئيس العماد ميشال عون، امامه سنة وأربعة اشهر لان السنة الاخيرة من العهد تصبح سنة بروتوكولية، لذلك قلنا سنة وأربعة اشهر لان السنة السادسة لا قيمة لها. ومن هنا إن لم تسرع الحكومة بالاصلاحات وتقوم بإنجازات وتتوقف الخلافات السياسية الكبرى فلبنان ذاهب الى انهيار اقتصادي كبير. ربّ قائل او سائل ما هو الحل؟ الحل هو واضح، وهو مطلب الشعب اللبناني ومطلب مؤتمر سيدر1 الذي حضرته 43 دولة لدعم لبنان وفق الاصلاحات التي يطلبها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وتمر الايام والايام مع هذه الحكومة وقد اجتازت المئة يوم دون ارسال مرسوم واحد لاصلاح واحد الى المجلس النيابي، حتى المصيبة المضحكة فيها ان الدولة لم توحد ارقامها، ومصرف لبنان لديه ارقام محددة وواضحة، حكومة لديها ارقام غير دقيقة ووضع كل الخسائر على حساب المصارف من مصرف لبنان المركزي الى 31 مصرفاً في لبنان، والمصارف قامت بتغذية الاقتصاد اللبناني، وصندوق النقد الدولي قال للحكومة وحّدي ارقامك، تعالي نتناقش، وحتى الآن لم يحصل توحيد الارقام بشكل نهائي.
حتى الآن لبنان دولة مزارع مع محاصصة، وأكبر مثل على ذلك، هي التعيينات التي حصلت. واما لبنان المؤسسات فما زال غائبا. لبنان اليوم دولة مزارع وليس دولة مؤسسات.
شارل أيوب