كثيرا ما يتغنى الإعلام الأمريكي وأدواته عن هذا الحلم الموهوم ، ويتبع ذلك خطب رنانه وكلام معسول من رؤساء أمريكا المتتاليين ، كلاما عن العدالة والحرية والسلام والمساواة والديمقراطية !! ، ويطبل لهذا الزيف المُخادع جوقة من المهرجين قليلي الحيلة والضمير في هذا البلد أو ذاك ، حتى ويكأن أمريكا هي هذا المنقذ والأمل المنتظر لشعوب الأرض وتحريرها من الضلالات والإستبداد والظلم ، وقس على هذا تفاوت درجات الهرولة والتمسح بأركان الكعبة الموعودة ( أمريكا ) .
لكن الجريمة التي أرتكبتها الشرطة الأمريكية بحق رجل أسود كشفت عن زيف هذا الحلم وهذه القبلة الظلماء ، هذه الجريمة ليست الأولى بل سبقتها جرائم مماثلة ودون ان تأخذ العدالة مجراها الطبيعي لهذه الفئة من الناس ، فضاعت وتضيع حقوقهم ، و كل ذنبهم إنهم من سود البشرة ، ولقد سمعت ذات مرة من غير واحد منهم ، ان فئة منهم ليست بالقليلة تلوم الدهر والخالق والطبيعة معاً ، على هذا الخلق الذي جعلهم سخرية وعبيداً عند من هب ودب .
لقد تعرت تلك الأيام المثالية المزعومة المُدعاة لرائدة الحقوق كما تُسمي نفسها ، تعرى ذلك التهريج والدجل الأكبر عن الجنايات والجرايم التي طالت كل شعوب الأرض من أقصاها إلى ادناها ، وزاد الطين بله تلك التصريحات الرعناء من الرئيس ترامب وهو يعلل تارة ويبرئ تارة اخرى جريمة شهد لها العالم على أنها جريمة كاملة العناصر ، فالرئيس الهمام كأنه في هذا يلوم هذا الرجل الأسود على لون بشرته ، ثم ينتزع للشرطي القاتل تبريرا مقيتاً ، ويذهب بعيداً ليلصق كل هذا العنف بمنظمة – انتيفا - ، التي هي في الأساس منظمة قامت وتأسست من أجل الحريات و مقارعة الفاشية والعنصرية والنازية ، وأندهش هنا لهذا التناقض الواضح لأدعياء الحرية والعدالة والعاملين للكفاح ضد التطرف والعنصرية ومعاداة السامية من جانب ، ومن جانب اخر نراهم يلوذون بتصريحات وقحة ضد منظمة كل اهدافها تحقيق العدالة وترك الناس يعيشون بسلام .
وأراني أجزم إن جهود - مارتن لوثر كنغ - قد ضاعت وتضيع ، كما أن الطفرة النوعية التي حصل عليها - باراك أوباما - في توليه للكرسي الكبير في امريكا لم تساعد ولم تساهم في تدعيم ونشر ثقافة المحبة والسلام ورفع الحيف والتمييز عن أولئك المعذبين ، ودعوني أعلن معكم موقفي الرافض لهذا السلوك العدواني والتمييز العنصري لدى فئات عنصرية منحطة من الشعب الأمريكي من اليمين المتطرف ، ودعونا نسجل معا وسويا رفضنا المطلق ذلك النزوع الأحمق للأستقواء بالحرس الوطني وبالجيش وبالسلاح والكلاب ، مواجهة شعب يصرخ بحرقة وألم لا للعنف لا للكراهية نعم للحياة من غير عُقد أو أحقيات .
أقول هذا والعالم جميعه يُصارع هذا الوباء اللعين - كورونا – المختلف في شأنه وشأن صانعه ومصنعه ، في هذا الوقت بالذات يتندر شرطي لعين مسخ ليهوي بكل ثقله ومن غير رحمة على رجل سمعنا نداءه وهو يردد و يقول - لا استطيع التنفس - ، تلك الإيقونة الصوتية التي دفعت بملايين الناس لإعادة حساباتهم والوقوف والتمهل ، فإن هناك من يحاول تدمير الحياة على وقع شعارات عف عليها الزمن وداس .
ودعونا نرسخ ثقافة الحياة بدلا عن ثقافة الموت ، التي يذهب إليها الفاشيين والنازيين والعنصريين والإرهابيين من المتطرفين ، دعونا نشجع بعضنا البعض لحماية دولنا وشعوبنا ، ونرسخ معهم جذور الإنتماء ولا يغرنا هذا الزيف المخادع المضلل الذي يجعل منا أنصاف مواطنين في وطننا ، دعونا نرسخ جذور الهوية والإنتماء للوطن ،، ونبعد من المُخيلة حب التطلع للهجرة إلى هذه العوالم التعيسة ، فإن من يفقد هويته وانتمائه يفقد ناموسه وشرفه ، فالتغرب بعد ذلك مهانة ونقصان في الكرامة .
ونجدد مع غيرنا هذا الرفض التام لكل إجراء تتخذه الحكومة الأمريكية ضد المنتفضين ، ولعلنا نذكرهم فقط بمواقفهم الفضفاضة عن الحريات والحقوق حين يدسون أنوفهم في هونغ كونغ و إيران و فنزويلا أو حتى الخليج ، ونقول : دعو شعوب العالم تتعامل مع حكوماتها من غير زعيق وصراخ فاسد فالمستور قد انكشف وبانت عورته ، وفي هذه المناسبة أجد من الواجب أن أذكر شعبي في العراق التمسك بالوحدة ، وعدم إثارة ما يُعكر أو يُكدر نوع التعايش المجتمعي الذي كان ، وثقوا ان الاعتماد على الغير دمار وهلاك ومضيعة ، إنما تعاونوا على البر والوحدة والكلمة السواء ونبذ الفساد ومحاربة الجريمة وتعزيز الهوية الوطنية ، والتمسك بان يكون المستقبل هو الأمل المنشود ، وأنتم شعبي العزيز أهل لهذا ، فلا تصغوا إلى كلام الأغيار لأنه وهم ومضيعة وفساد .
وبالختام سلامنا التام لشعوب الأرض جميعاً ، والتحية الخالصة لروح الشهيد جورج فلويد الأمريكي الذي طحنه الحقد والكراهية ، والسلام الخاص لشعبي العزيز ودعائي الخالص ان يرفع عنه كل ضيم وهضيمة ليعود معافى بأذن الله ..
راغب الركابي