سأثير معكم على عجل في هذه المقالة - مفهوم الحريات - التي تُفتقد في البلاد العربية والإسلامية ، وسأذكركم بإني كنت من المؤيدين للثورة على حكم الأخوان ، وقد بادرت في تهنئة الرئيس السيسي وشددت على يده ، مؤمناً بان الفترة التي حكم فيها الأخوان ، كانت الأسوء في تاريخ و جبين مصر التي نحبها .
وسأقول للأقباط ساعدكم الله على ما أنتم تلاقون من تعنيف وتفريق وكراهية من بعض شذاذ الآفاق ونبذت الكتاب ، من بعض المصريين الذين يتزايد عددهم مع كل فعل وجريمة ترتكب بحق الناس الآمنيين ، نعم صوت الأقباط سيعلو حتماً تلك هي طبيعة الأشياء وهذا الذي أؤمن به ، وسيخفت ذلك الصوت النشاز الذي يُحرض على الفتنة والقتل ، وهنا أشيد بقوى الأمن والجيش المصري وجهودهما في هذا الشأن .
ولكن قد يقول قائل : - إن للأقباط ربٌ يحميهم - وهذا صحيح ، ولكني وفي السياق أقول : - إنه لولا صوت الغرب العالي - للحق بالأقباط ما لا يحمد عقباه وذكره تلك هي الحقيقة التي أفهمها ، وهذا الشيء هو نفسه الذي حدثني فيه بعض الأخوة المصريين مما زاد في قناعتي وإيماني .
وإذا كان الغرب أو الخوف من الغرب بكل مفرداته هو جهة الدفاع عن الأقباط وما يعانون ، أقول : - فمن للشيعة إذن ومن يحميهم و يدافع عنهم ويحمي حقوقهم - ، وفي هذا الشأن سأنطلق معكم في التنديد أولاً : ( بالفعل الشنيع الذي قام به بهلوان مهرج في قناة البلد ، قدحاً وذماً بشعارات كان بعض شيعة العراق يرددونها وهم في زيارة مقام رأس الأمام الحسين بمصر العزيزة ) ، وظني الغالب إن هؤلاء الشيعة مندفعين بحبهم العارم لأهل البيت ، مع إيمانهم الخفي بأن دولة يحكمها الرئيس السيسي ستحمي حقوقهم وحرياتهم حتماً ، طالما كانوا في السياق العام ومن دون ظلم للأخرين ، ولا أظن إن أحداً في مصر يُناصب الأمام الحسين العداء ( بل إني وجدت الشيخ علي جمعه أكثر حباً منا ) ، ولذلك أقول : لماذا إذن يشمئز هذا البهلوان من صيحاتهم ويقول بلهجته : ( الله يحدث ده بمصر ) ؟ وكأن ترديد عبارة حب الحسين أو يا حسين ممنوعة في مصر !! ،
وسوف أعود معكم بالذاكرة إلى الوراء حينها كان الضال المضل يوسف القرضاوي ، يتباكى ليل نهار خوفاً على مصر من هجمة التشيع ، ويحرض الناس على محاربة ذلك حتى أقترف بعض الهمج من هؤلاء المجرمين السلفيين جريمة بحق ( عالم الدين المصري الشهيد الشيح شحاته رحمه الله ) ، مع عائلته واخوته في جريمة تشبه بكل عناصرها وفعلها القبيح ما قامت به قوى الإرهاب من داعش وأخواتها ، ولهذا حز في نفسي ان يكون هذا البهلوان هو من تلك الطينة العفنة التي لا تفهم معنى ولا روح الحرية .
ثم إني ببراءة أسأل : وهل التشيع أو الشيعة يخوفون إلى هذا الحد وإلى هذا المدى ؟ ، مع علمي إن الشيعة هي حب للأمام علي مجرد ليس فيه عنف أو إكراه أو قتل ، وعلى هذا إذن كم أن هذا المهرج وأمثاله ضحلون لا يستطيعون تقبل الرأي والرأي الأخر ، ، وفي هذه الحالة كيف لفرد من هذه النوعية ؟ أن يكون مقدماً لبرامج تلفزيونية تثير الفتنة والفزع والخوف لدى الناس ، وماهو الرادع الأخلاقي والإنساني في مثل هذه الحالات ؟ وأين هي الحرية والعدالة وإحترام الآخر ؟ ، وصدقاً أقول : إني هنا لست بمعرض الدفاع عن الشيعة فللشيعة رب يحميها ، وهم اليوم خرجوا من فزع التاريخ وهاهم يعرضون بضاعتهم ، مؤمنين بالإنفتاح والتلاقح الفكري وقبول الأخر والتساوي والتشارك في الرأي وإحترامه .
والحسين هذا الإمام عصي على الزمان وقصته كما قال الجواهري شاعر العرب الأكبر - تكبر في نفوس الناس جميعاً - ، وفي هذا مثل ودليل وعين لقوم آمنوا برسالته من غير إتباع مذهبي .
وفي هذه المناسبة : أخاطب المؤوسسة الدينية الرسمية في الأزهر وفي مجمع البحوث ، أن يكونوا لهم صوت عادل يحمي المتظلمين ، وعليكم مسؤولية اخلاقية ودينية وإنسانية : - أن تنصفوا الشيعة وتدعوهم يمارسون طقوسهم في عاشوراء وفي غيرها كما يرغبون - ، كونوا كغيركم ممن يحترمون المخالفين مادام ذلك ضمن القانون والنظام ، ولتكن لكم أسوة في بلاد الغرب التي تحترم الناس جميعاً وتسمح للناس جميعاً بممارسة مايؤمنون من طقوس وشعائر ، وليكن قدوتكم في ذلك قوله تعالى ( لا إكراه في الدين ) ، فهي سند لكل طالب حق ودعوا الناعقين والمفرقين والمتزلفين والمنافقين ..
وأعلموا إني أنطلق من إيماني المجرد بالحرية وبالعدالة وبالسلام ، فكلما كبرت ساحة الحرية كلما أستطعنا العبور إلى شاطئ الأمان ، وادعوا القوى الخيرة في مصر لترفع سقف المطالب بالحرية حمايةً للضعفاء والأقليات ، وصوتي أوصله للرئيس السيسي ليقف بوجه هذه الفئة من الموتورين والضالين الذين يحاولون بشكل غير مباشر إعادة العجلة إلى الوراء ، وأقول كما قال عيسى بن مريم – طوبى للصديقين وأهل المظلمة - ، على أمل أن يتعافى وترفع المحن عن الشيعة والأقباط في أرض الكنانة وفي عاصمة المعز ..
راغب الركابي