تكون الحاجة للعدالة بمفهومها الجمعي اكثر في ظل وحال التدافع السياسي هذا من حيث المبدأ ، وكذا تكون حاجتها ماسة في ظل ما تفرضه قوانين ونشاط حركة رأس المال الذي تمتلكه قوى الطبقيه والبرجوازية والموؤسسات الدينية العتيقة
وتكون الحاجة للعدالة الإجتماعية ماسة في حال التنظير البيروقراطي الذي تفرضه موؤسسات الحكم والأنظمة السياسية الفاشستية ، والربط بين العدالة والحاجة إليها ينطلق من الوعي بطبيعة التحولات التي يشهدها العالم وكذا بالقيم الواجب توفرها للإنسان ، فالعدالة بما هي حاجة وقيمة يجب الإلتزام بها و التوكيد عليها ، لتنظيم خط وسير السلوك العام .
وفي هذا إنما ننوه للحتمية التاريخية بتعميم الظاهرة وتعميم مقولاتها في الخير العام وفي السعادة وفي العيش المشترك والعقد الإجتماعي والميثاق الوطني ، وضرورتها ليس فقط من كونها حل للمشكل السياسي الذي يعيشه العراق ، ولا للتراكم الفوضوي في السلوك الإقتصادي لموؤسسات الدولة ، ولكن قدرتها في تصحيح المسار النفسي حاسم ، إذا ما نظرنا لموقفها من قضية الفساد المالي و الفساد الأداري ، وشكل وطبيعة الهوة بين الأغنياء والفقراء والتي زحفت بفعل سوء سلوك وغياب في مشاريع التنمية والإعمار .
وبما إننا في صلب القضية فلابد من التذكير بدوام هذا النضال الليبرالي التطوعي لتحقيق التوازن الطبقي ونشر مفهوم العدالة الجمعية ، يستلهم هذا النضال من حركة الثورات التاريخية والبشارات النبوية ديمومته وإصراره على تحقيق العدالة الإجتماعية ، يظهر ذلك جلياً في الإحتجاجات المتنوعة التي تستهدف خلق مناخ يعيش الحياة بإعتبارها ملك للجميع .
و الكتاب المجيد قدم لنا آيات ونصوص بينات في هذا الإتجاه سواء في مستوى الحركة أو في مستوى السلوك والخطاب ، من خلال نزع دواعي التقسيم الذاتي أو الموضوعي على اساس المنفعة أو غيرها ، منبهاً إلى خطورة ذلك على قيم التعايش الأفتراضية والواقعية ، ونفس التوجه نجده لدى فلاسفة الأغريق من عهد إفلاطون وزينون وأرسطو إلى فلاسفة النهضة مع جان لوك ومنتسيكيو وعند روسو ، ثم توالت صيحات الحقوقيين ومنظمات المجتمع المدني على خلق تعاقد أممي يلزم الجميع في الإعتراف بالحقوق والواجبات المتبادلة ومحاولة حلها أو التقليل من تداعياتها ..
وقد كان جون لوك يقظاً في تاكيده على مسألة التعايش السلمي في ظل توفير الحقوق للجميع وعلى وجه المساوات ، من هنا أعتبر أباء الليبرالية هذا المبدأ من خواص المشروع الليبرالي ومن خواص دعوته وخطابه وسلوكه ، ويريد من هذا إعتبار العدالة قيمة مستقلة شاملة ، وهي قيمة بحد ذاتها رافضاً التميز بين ما للفرد وما للمجتمع ، مادام المتعلق واحد إلاّ وهو الإنسان ، وقد ورد ذلك التنبيه في الثقافة الليبرالية بإعتبار العدالة من حيث هي كل لا ينفصل ولا يفترق ، وتظل العدالة الإجتماعية كركيزة لخلق مجتمع سالم وصحيح وفاعل وقادر على الإعتراف بوجوده الوطني والدفاع عن ذلك الوجود .
فالليبرالية تربط بين مفهوم الولاء للوطن ومفهوم الإنتماء للوطن على أساس ما تحققه العدالة الإجتماعية بالفعل ، فتعريف معنى المواطنة على نحو واضح وصحيح لا يكون ممكناً من دون العدالة ، فالولاء للتربة من حيث هي هي ولاء مخدوش وغير ناضج ، من دون تحقيق العدالة للمنتمين لهذه التربة ، فالولاء ينبع دائماً من الشعور والشعور هو صفة حال يوصف بها الفرد في حال وجوده بالفعل وهذا يتم وفق شرطه الموضوعي وليس شرطه القهري .
أي كون المواطن ليس آلة وحسب بل هو وطن يكتمل مع غيره ، وفي ظل هذا تنتفي النظرة المسبقة في تقسيم الناس على أساس الوضع الإقتصادي والإجتماعي والوظيفي أو البيئي ، فكل ذلك عبارة عن تراث حاربته رسل السماء ووقفت الليبرالية بوجهه بعناد ، لهذا تمسك الناس في الليبرالية والدين لأنهما يرفضان التمايز العنصري والفئوي والقبلي والديني ، وفي نفس السياق ذاته إيضاً وجدت أفكار ماركس طريقها لقلوب الناس ، من خلال ما تقدم به لتنظيم العالم على أساس العدالة الإجتماعية ، وتفكيك رأس المال ومحو السلطات القمعية التي تخلق التمايز بين الفئات والطبقات ..