وقع خلط وتهاون وضعه في أهداف - قيامت الحسين - بسبب القراءة المغلوطة للتاريخ والعقيدة ، كان ذلك بسبب الميثولوجيا والغنوصية التي أسس لها غياب العقل في زمن الإنقباض وسقوط بغداد في القرن السابع الهجري ، وقد جرى تعميم لهذا حتى غدى حقيقة لدى فئة من رجال الدين ومن الطبقة العلمائية أيضا .
ففي وصفهم لقيامة الحسين خلطوا بين السبب والنتيجة ، حتى قال قائلهم : - إن الحسين إنما قام ليضحي بدمه فداءا لأمته - ، هذا الوصف السيء جاءنا من خلال الفهم السيء لقضية نصوص التاريخ الذي رافق قيامة الحسين عليه السلام ، ومع تتبعنا في دفاتر الحسين وأثاره لم نجد ما يدل على ذلك ، بل وجدنا العكس وجدنا : - إن الحسين إنما تحرك من أجل تحقيق العدالة الإجتماعية - ، ولم يكن ذلك ممكناً من غير تحرك هادف ( من أجل السلطة والحكم ) فبهما يسود القانون والنظام ، وبهذا المعنى تذهب تلك الأُحجية التي يذهب إليها ضعاف النفوس و يقولوا : - إن الحسين إنما كان يريد الشهادة - أو هذا هو مطلبه من الحياة !! .
في توهين متعمد للهدف السامي الذي كان يرغب عليه السلام في تحقيقه ، فالشهادة مهما علت لم تكن هدفاً له ولا لغيره من الأنبياء والمصلحين ، الشهادة في معناها تكون عرضاً حين يقف الظالمون بوجه أهل العدل فيستحلوا دمائهم ، صحيح ان الحشد العاطفي والتجييش يجد له آذان صاغية في لحظة التعبير عن درامية الحدث ، لكنه لن يصمد أمام الواقع وطبيعة المقتضيات ، ولعل بعض رجال دين أستساغوا تعميم الخرافة طمعاً ببعض فتات دنيا زائفة ، فلوثوا حركة الحسين وابعدوها عن مضامينها الواقعية ، فالحسين لم يقدم نفسه قرباناً ليخرج أهل الضلالة من ضلالتهم ، ولم يُقدم على الشهادة كنوع من البطولة الزائفة التي يروج لها ضعاف النفوس ، الحسين عليه السلام كان يحمل رسالة جده ، بكل ما تعني من تعميم لثقافة الحياة والتعايش والعدل والتسامح وبناء الإنسان ، و لم تكن قيامة الحسين من أجل ان يعلم يزيد الصلاة ولا الصوم ولم يكن هدفه ذلك ، كم لم يقم الحسين عليه السلام ( لأن يزيد كان شاربا للخمر ولا عبا بالطنابير ) ، هذه حكايات ساذجة مريضة تدل على نوعية قائليها ، الحسين عليه السلام رسالة حق وعدل بوجه الظلم ، ولهذا قام من أجل أستلام الحكم وسعى لذلك سعيه ، ومن يعتقد غير ذلك فهو واهم ومأخوذ بهذه الدراما الروزخونية الباهتة المضللة ، ومن لم يعتقد بان الحسين كان طالبا للحكم لم يقرأ التاريخ ولم يتفحص صفحاته جيداً .
ولهذا كان رجالا من الشيعة في الزمان القديم القريب من قيامته ، قالوا وأعتقدوا ودونوا عبر كتبهم القيمة : - بان الحسين عليه السلام إنما تحرك ليقيم العدل ويرفع الظلم من على الناس - ، وهذه الأفعال لا تكون بالشهادة ولا لمن يسعى لها ، إنما تكون بالعمل الجاد وبتهيئة جميع الظروف في ذلك ، هذا لمن يريد تطبيق النظام والقانون والعدل .
نعم أقول : - أخطأ من قال بأن الحسين ضحى بنفسه لا سببا ولا نتيجة - ، كما أخطأ من تبنى ذلك الرأي الغنوصي ونزعته في نظرتها للنبي عيسى ومقولات التضحية دفعا للخطايا والذنوب ، فكل ذلك وهم وتخيل ليس في محله والصحيح : - إن الحسين أراد الحكم له ولكل عادل مصلح في طول الزمان وعرضه - ، وفي ذلك إشارة لمعنى قيامة الحسين ، نعم سقط الحسين الإمام شهيداً على يد أبغض خلق الله وأخسهم ، ولكن هذا لا يعني أبداً إنه كان قائماً من أجل الشهادة ، ومن لم يميز بين الهدف والنتيجة يهرف بما لا يعرف كدأب الكثير ممن يمتطون المنابر ، ويخربون على الناس سكة الخير وطريق المعرفة ..